في الوقت الذي تفاقمت فيه أزمة السكر، لجأ البعض لمهنة الدلالة كمخرج من الأزمة، حيث يقوم البعض بتوفير كميات من أكياس السكر وبيعها بعد إضافة فائدة عليها، ويقوم الشاري بتسديد قيمة المنتجات على هيئة "أقساط" أسبوعيًا أو شهريًا حسب الكمية والاتفاق.

ولم تكن هذه الطريقة جديدة حيث لجأت بعض السيدات في الريف والمدن إلى بيع منتجات ألبانية مثل الزبد والجبن بهذه الطريقة، كما انتشرت مؤخرًا أيضًا في بيع المقدرات التموينية بنفس الطريقة وإضافة فائدة عليها.

من هي الدلالة؟

مهنة "الدلالة" أو السمسرة ليست بحديثة، حيث عمل بها الرجال والنساء في العصور الإسلامية الوسيطة، ولا تكاد تخلو قرية من بعض النساء الكبيرات في السن يعملن كدلالات لهن تجارتهن البسيطة في دورهن، كما يتنقلن بين الدور، وهذا التنقل منظم وليس عشوائيًا كما يعتقد، فهي إذا زارت أهل دار، لم تزرهم مرة أخرى بل تباعد بين زياراتها، حتى لا تمللهم أو تثقل عليهم.

وكانت الدلالة في القرية تبيع بعض عينات قليلة من منتجات المزارع من بذنجان وقرع وتمر وبصل ورمان وعنب وبذور الرشاد والحلبة والكمون وغيرها بحسب طلب ورغبة النساء، حيث تطلبها بعضهن ويكون شراؤها من الدلالة أسهل من الدكاكين، وكذا المنتجات الحيوانية، ثم المصنوعات اليدوية كالأقمشة والصوف وبعض المستلزمات التي يصنعها أهل القرية وبعض الحلى كالأقراط وبعض الصابون والألياف لتنظيف الجسم وغيرها، ومن سمات تجارة وعمل الدلالة ثباتها مددًا طويلة على حالة، فهي لا تطور تجارتها ولا تتوسع في المعروضات بل تكتفي بحالتها العادية وتجارتها البسيطة.

وعملت بالدلالة ربات البيوت للقيام بمصاريف بيوتهن، والدلالة سريعة في تصريف بضاعتها، ولديها قدرة فائقة في الدعاية والتسويق بشكل مؤثر، مما يجعل بضاعتها جديدة باستمرار، والعائد منها فوق المتوقع، وبهذا تستطيع الصرف على بيتها والإدخار في سنوات قليلة بحيث تتفوق أحيانًا على أصحاب الدكاكين من الرجال الذين يظنون أنهم أكثر معرفة بالتجارة من الدلالات.

أخلاقيات علمتها "الدلالة" للمجتمع

"الدلالة" نتيجة لقائها المتكرر مع كل نساء المجتمع تتميز بأنها ذات مرونة عالية في التعامل، وتتحلى بأخلاق من الرفق وطول البال وسعة الصدر لبقة في الحديث ومجاملة جدًا، مقبولة عند النساء، وقد ينتظرن قدومها ويؤكدن عليها العودة في حال خروجها، بل ويكرمنها بتقديم القهوة وحق الضيافة في كل مرة ويأنسن بحديثها وهي كذلك، ربما لأنها تملك أخبارًا عامة كثيرة ومعلومات توظفها في مجالها الصحيح لكي تكون مقبولة دون أن تمس خصوصيات الآخرين.

كما تتصف بالحلم والصبر، وقد تعلمت واكتسبت من طبيعة عملها أخلاقيات التجارة كالأمانة وحفظ حقوق الآخرين وأسرار بيوتهم والتحفظ على الحديث عن الأخريات وعدم الخوض في خصوصيات البيوت، أو نقل الحديث غير المستحسن أو محاولة التحريض أو نقل الكلام البذيء أو السب أو الغيبة بل وتعطي مرونة أكثر من الرجال في عمليات البيع والشراء.