المواطن

رئيس مجلسي
الإدارة والتحرير
مسعد شاهين

الروائي عمرو جنيد في حوار مفتوح مع "بوابة المواطن": "يناير مؤقت" تتناول آلام ومعاناة الشارع قبل أسبوع من ثورة 2011

الأحد 04/فبراير/2018 - 02:34 م
لمياء يسري
طباعة
أقام الكاتب الشاب عمرو جنيد، قبل أيام حفل توقيع روايته الأولى، "يناير مؤقت"، وهي الحفلة التي رصدتها "بوابة المواطن"، في إطار تغطية فعاليات معرض القاهرة الدولي للكتاب 2018.

ويعد الأدب الحي من أبرز الأداب شاهدة على العصر الذي يٌنتج فيه، لذلك كان لبوابة المواطن هذا اللقاء مع الكاتب الشاب، عمرو جنيد، يتحدث فيها عن الخطوط العريضة لـ"يناير مؤقت"، وأهم الصراعات الداخلية في الرواية، والتي كان أبرزها آلام ومعاناة الشارع خلال فترة مهمة وفاصلة في التاريخ المصري. 

اعطنا بطاقة تعريفية عن صاحب "يناير مؤقت"؟
اسمي عمرو جنيد، ولدت في 1980، درست صيدلة إكلينيكية، والصيدلة الإكلينيكية هي تخصص أدوية بالمستشفيات ومتابعة حالات المرضى، وبالنسبة لتخصص الطب فربما يستغرب البعض ما العلاقة بين الطب والأدب، فأنا أرى أنها علاقة متشعبة من قديم الزمان، وكان لدينا الكثير من الكتاب درسوا الطب في بداية حياتهم ثم توجهوا بعد ذلك إلى كتابة الرواية، فربما اقتراب الطبيب اليومي من الناس بشكل أكثر خصوصية من غيره، فهو يراهم في أكثر حالاتهم ضعفًا، فهذا القرب يؤثر بالطبع في الوجدان، فيستطيع الكاتب أن يخلق من خلال هذه التجارب الإنسانية، معادل موضوعي لعمل أدبي.

متى بدأت الكتابة ؟
بدأت القراءة في عمر ست سنوات، فهذا ما شجعني عليه أسرتي، أما أول ما كتبت فكان تقليدًا للقصص التي كنت أقرأها، كالأدب البوليسي والجريمة لأجاثا كريستي، فتولدت علاقة بيني وبين الورقة كنوع من الغرام والافتنان بها، بعد ذلك كتبت الشعر ودخلت مسابقات تابعة للمدرسة، وعندما التحقت بالجامعة كنت أريد التوفيق بين دراستي وموهبتي فكنت أحيانا أهرب من كليتي إلى كلية الآداب لحضور بعض المحاضرات الخاصة بالأدب والنقد، كما كنت أحاول الذهاب إلى المعهد العالي للفنون المسرحية، وتعرفت على العديد من الأصدقاء هناك كانوا يشتغلون على مسرح الجامعة، وتعاونت معهم في مشروع التخرج الخاص بهم، إذ كتبت لهم نص مسرحي بالفصحى، بعنوان " محاكمة شكسبير"، كانت تدور حول محاكمة أبطال مسرحيات شكسبير مثل هاملت والملك لير وعطيل وديدمونة، وهنري الخامس وباقي الأبطال التراجيديين ، يستقيظون لكي يحاكموا الكاتب. توقفت بعد التخرج من الجامعة عن الكتابة، وسافرت إلى خارج مصر، متفرغًا للطب، ولكني لم أنقطع يومًا عن الكتابة، وكانت لي تجربة نشر الكترونية، لبعض المقالات، و حلقات مسلسلة لقصة بعنوان " أناشيد الرياح" لم انتهي منها بعد.

من هم الكتاب الذين قرأت لهم وأثروا فيك، تعتبرهم أساتذة لك ؟
أنا أدين بالفضل لكثيرين من مصر مثلا الأستاذ نجيب محفوظ، تعلمت السرد من خلال كتاباته، فهو لديه الجرأة في تجربة أنواع جديدة من السرد الأدبي، دون أن يضع نفسه داخل قالب السرد الكلاسيكي، أيضًا يوسف إدريس والأستاذ يحي حقي تعلمت منه البناء الدرامي والمفارقات اللغوية التي تؤدي إلى توليد الأفكار في العقل، بالنسبة للغربيين مثلًا، ديستيوفيسكي، حتى ولو لم تتفق معه، فدائمًا ما أدعوا إلى قراءته والمحاولة لاستيعابه، فأنا دائمًا ما أراه أنه جبل، لا نستطيع أن نناهزه، فأرى أنه أغلق باب الرواية ورائه، وألقى المفتاح في نهر الفولجا، والذي يريد أن يصبح أديبًا عظيمًا يجب أن يسبح داخل النهر، كي يأخذ قبس من هذا المفتاح لكي يفتح ما استغلق عليه من الأدب.

عملك الأول والذي نحن بصدد الحديث عنه، هو" يناير مؤقت"، نريد منك نبذة عن الرواية، والموضوع الذي تدور حولها ؟
يناير مؤقت، تدور في خلال أسبوع قبل ثورة يناير 2011، من خلال ثلاثة محاور أو يمكن القول أنهم ثلاثة روافد يصبوا في نفس النهر في نهاية الأمر، وذلك من خلال الشخصيات الثلاث الرئيسية في الرواية، أول ما المحور الأول تلقي الرواية الضوء من خلاله على المجتمع المخملي لرجال الأعمال في فترة حكم الرئيس السابق مبارك، والمحور الثاني هو المجتمع الموسيقى فالبطلة هي عازفة في دار الأوبرا المصرية، والمحور الثالث المجتمع الصحفي من خلال داليا الصحفية المنغمسة في الشارع المصري، والرواية تشمل ثلاثة أماكن وهي القاهرة وباريس وأحدى دول الخليج العربي، تشتبك الأحداث وتتلاقي الخيوط لمكان واحد في النهاية هو ميدان التحرير يوم جمعة الغضب.


كيف ترى الوضع العام للرواج الكتابة الروائية وانزواء كتابة الشعر والقصة القصيرة في المقابل ؟
هذا الموضوع له ثلاثة أسباب رئيسية، الأول هو دور النشر، والثاني الكاتب، والثالث القارئ.
بالنسبة لثلاثتهم فالغالبية العظمى منهم يستخف بأهمية الرواية، ويراها أسهل شكل أدبي من الممكن كتابته، بالرغم من أنها على العكس من ذلك، فالرواية من أصعب الأشكال الأدبية التي يمكن لأحد أن يكتبها، أما بالنسبة لدور النشر، فالاستسهال والتجارة هو الذي أصبح يحكم الأمر بنسبة كبيرة خصوصًا أن الاتجاه الأكبر في النشر أصبح لصالح من يملكون أكبر عدد متابعين على السوشيال ميديا، فتم تسطيح فعل الكتابة إن لم يكن ابتذاله، دون الاعتبار إلى الموهبة أو الأساس المعرفي السليم، بالإضافة إلى ذلك فلم تعد غالبية دور النشر تقبل نشر الدواوين الشعرية بسبب عدم رواجها بشكل كافي بين الناس.

بالنسبة للكاتب، فهو أصبح يرى أن الأمر في منتهى السهولة، فهو يستطيع أن يكتب بعض الخواطر، ثم ينشرها على حسابه الخاص، ودور النشر غالبيتها تمرر الكثير من الكتابات دون اعتبار للفكر أو الموضوع أو الأسلوب، وأريد التوضيح هنا بأن كلامي هنا ليس تقليلا من الخواطر الأدبية ففي تاريخنا كتاب لهم ثقل أدبي، كتبوا لنا خواطر عظيمة، بأسلوب أدبي جزل، كمصطفى صادق الرافعي مثلا، ولكن مقصد كلامي، أن أغلب الكتابات الحالية تعتمد على الخواطر لكنها تفتقد اللغة والقدرة على التعبير بشكل سليم.

أما القارىء أو المتلقي فأصبح محاصر بالكثير من الأعمال السيئة، مما تسبب في تخمة، أدت مع الوقت إلى العزوف عن الأعمال الجيدة، وربما عدم القدرة على استيعابها، فيلجأ للأعمال الضعيفة ظنا منه أنه أنها أدب سليم، خصوصًا مع تراجع دور النقاد في الوقت الحالي، فأصبح عقل المتلقي لا يحميه شيئًا، فلم يعرف كيف يقرأ ولا ماذا يقرأ.

إذن ما هو دور النقد في الحفاظ على الثقافة المجتمعية ؟
الإنتاج الإبداعي عموما، بجانب ارتباطه بالكاتب والناشر، فهو مرتبط بالناقد ارتباط وثيق لا يمكن إهماله، لكننا في الوقت الحالي لا نملك تيار نقدي قوي لدينا تجريف تام للحالة النقدية، وليس كما كان الحال في بداية القرن العشرين أو بداية الستينات والسبعينات، فالناقد يسمو دائمًا بالكاتب والقاريء ، بالكاتب فهو يدفعه دائما ليقدم أفضل ما لديه، وبالنسبة للقاريء فهو يوجه ذائقته الأدبية، فكانوا حائل بين ظهور أعمال سيئة أو في أسوأ الظروف يقوم بتحجيمها، حتى تكن غالبية الأعمال الموجودة بين يدي القاريء، هي الأعمال القوية أو على الأقل الجيدة، ، ولذلك حاولت مع بعض الشباب الصغير الذي لديه ميول أدبية أن أنسق لهم ورشة مجانية صغيرة، نتعلم من خلالها مفاهيم مهمة كالأدب والرواية والقصة القصيرة، وأنواع السرد الأدبي وفلسفته ، وما معنى النقد وما هي أهم مدارسه على مدار التاريخ ، وكيف يمكن له أن يحكم على عمل أدبي ما، إذا كان ذا بناء محكم أم لا، بالإضافة إلى تعريف الموهبة، و ما الفارق بين صياغة الكلمات، و خلق العمل الأدبي.

متى حدثت هذه الفجوة في تيار النقد في مجتمعنا ؟
بداية الرواية في مصر، ظهرت مع الكاتب محمد حسين هيكل، وكتابات المنفلوطي التمصيرية، وكذلك حركة المسرح المصري في القرن العشرين وحتى المسرح الهزلي، المقتبس من المسرح العالمي كمسرحية طرطوف لموليير التي تم تقديمها هنا باسم البخيل، فكان هناك حركة نقدية مواكبة لهذه البدايات الأدبية، سجلها أرشيف العديد من المجلات الثقافية الشهيرة، كما الذي كان يحدث بين العقاد والرافعي والمازني ومحمد شاكر.

كما كان لدينا كتاب كبار من أمثال الدكتور رشاد رشدي الذي خط كتب في كتابة القصة القصيرة والأدب، من أهم ما كتب في هذا التخصص، وكتابات أمين العالم رائد الواقعية الاشتراكية في الأدب ، والذين نفتقدهم في الوقت الحالي بشدة، وكذلك الدكتور محمد عناني متعه الله بالصحة والعافية.

أما عن بداية التدهور، فكانت من السبعينات، فتدهور الوضع العام في المجتمع من النواحي التعليمية والاقتصادية، والسياسية، تدهور معها الوضع الثقافي العام، فأصبحنا حتى الآن نعاني من هذه الفجوة، والتي تجلت آثارها بشكل كبير مؤخرًا. 

بعد هذه المعاناة الحالية ما هي النصيحة التي تستطيع تقديمها إلى القارئ والمتجهين من الشباب للكتابة الأدبية ؟
بالنسبة لمن يريد الكتابة، أتذكر أنني في التسعينات وأصدقائي، كنا نذهب مثلا للأستاذ جمال الغيطاني، أو الأستاذ صلاح عيسى رحمهما الله، لكي يعطونا نصائح فيما نكتب، وهل نحن أصحاب موهبة أم لا، لكن بالنسبة لمن لا يستطيع أن يفعل ذلك حاليًا، فأقول له، اقرأ أولًا وثانيًا وثالثًا، اقرأ ما استطعت إلى القراءة سبيلًا، وتطلع إلى التراث الإنساني كيفما استطعت من تاريخ وأدب وسياسية وفن وفلسفة، وعلوم.
وكن منفتحًا على جميع الثقافات ولا تنغلق على ذاتك، ولا تستعجل النشر أبدًا.

نعود إليك مرة ثانية، نريد أن نعرف منك لماذا تكتب ؟
هذا السؤال هو أصعب سؤال يمكن أن يوجه إلى كاتب، وكان لكل كاتب سبب خاص ليس فقط الرغبة في الخلود، فمثلا فرناندو بيسوا، عندما سئٌل لماذا تكتب ؟ قال أنا اكتب لكي أتخلص من أدران نفسي، أنا عن نفسي أكتب حتى أتخلص من أحمالي، فأنا دائمًا أشعر بشيء ملح داخلي يدفعني للكتابة، فأنا أدين للكتابة بالكثير، فقد أنقذت حياتي.

جورج أورويل قال من ظن أن كتابه سيغير العالم فهو أحمق، هل الكتابة من الممكن أن تغيير العالم ؟
عامة العملية الإبداعية أو الأدب هي إعادة خلق للعالم، وتوجد العديد من النظريات الأدبية تقول أن تأثير الأدب في الإنسان أعمق من تأثير العلم فيه، فالعلم لغة جامدة، أما الأدب يغوص في النفس البشرية، ويخاطب الوجدان، فمن الممكن من خلال النص الأدبي أن تزرع بداخله فكرة ما، أو تدفعه دفعًا إلى التفكير والقدرة على النقد و إعادة تقييم الأفكار التي يتلقاها بشكل يومي من العالم، ولن يحدث ذلك بالطبع إلا إذا كان العمل الأدبي مكتوب بشكل سليم لغة وثقافة و بناءًا سرديًا.

ما هي علاقة اللغة بالأدب ؟ 
اللغة لا تٌنشد في ذاتها في العمل الأدبي، فاللغة وسيط حامل للأفكار، أنا مع اللغة الجيدة الصحيحة، التي توصل المعنى الذي يهدف إليه الكاتب، ولا أميل إلى الزخرفات اللغوية الزائدة عن الحد. فكما أن الكتابة الأدبية من الممكن أن تزرع فكرة أو تساعد القاريء على التفكير، فالطبع لن يحدث ذلك إلا من خلال التعبيرات اللغوية السليمة.


أخيرًا كيف رأيت الإقبال هذا العام على معرض الكتاب ؟ 
تقريبا هذا العام الإقبال على المعرض كان أعلى نسبة خلال العشرين عاما الماضية، فالإحصائيات بالأمس قالت إن عدد المتواجدين بلغ أربعمائة ألف شخص، فهذا العدد مبهج جدا، كما رأيت بعض المشاهد التي أبهجتني ونفست عن غضبي تجاه غالبية المنشور، فرأيت شابًا يقترب من سبعة عشر عامًا، يحمل محاورات أفلاطون بترجمة الأستاذ زكي نجيب محمود، ورأيت من يحمل كتب للدكتور لويس عوض، ومن يحمل الكوميديا الإلهية لدانتي، كما أن الهيئات الحكومية تصدر أعمالًا فكرية ممتازة وبأسعار زهيدة تناسب الغلاء الذي أصبحنا نعاني منه.




هل تتوقع تألق إمام عاشور مع الأهلي هذا الموسم....؟

هل تتوقع تألق إمام عاشور مع الأهلي هذا الموسم....؟
ads
ads
ads
ads
ads