طباعة

بعد ارتفاع الأسعار الجنوني.. يوميات غلابة مصريين تتجسد في أهالي عزبة "خير الله"

الثلاثاء 03/01/2017 10:00 م

رحاب إدريس

عزبة "خير الله"

"الأسعار نار.. إحنا قعدنا عيالنا من المدارس عشان مش عارفين نصرف عليهم".. هكذا وصفت "أم أحمد" أحد أهالي عزبة "خير الله"، إحدى المناطق العشوائية بمنطقة مصر القديمة، حال عائلتها مع ارتفاع الأسعار، الذي تسبب فيه قرار تعويم الجنيه الذي أقرته الحكومة ضمن قراراتها لإصلاح منظومة الاقتصاد، التي شهدت أزمات متكررة في الفترة الأخيرة.

بعد شهرين من قرار تعويم الجنيه ووصول سعر صرف الدولار إلى ما يقرب 20 جنيهًا، تجولت "المواطن" في أبرز المناطق تهميشًا وهي "عزبة خير الله" التي يعاني أهلها من فقر شديد يعوقهم على استكمال حياتهم اليومية، فرغم أن قرار التعويم قرار اقتصادي بحت، إلا أنه أصبح عقبة في حياة الكثير من البسطاء، الأمر الذي جعلهم يستغنون عن الكثير من أمورهم الحياتية التي قد تصل للطعام والشراب والتعليم.

"الأسعار نار.. إحنا قعدنا عيالنا من المدارس"

بدأت جولتنا مع "أم أحمد" أم لخمسة أبناء، أكبرهم 23 عام وأصغرهم 11 عام، والتي عبرت عن استيائها الشديد من الزيادة المبالغ فيها على حد وصفها فقالت: "إحنا 7 أفراد في البيت، وجوزي صنايعي على باب الله، يوم بيشتغل ويوم لا، ومصاريفنا كتير، مصاريف يومنا بتوصل لـ80 جنيه يوميًا؛ 15 جنيه فطار، 50 جنيه غداء وبيكون من غير لحمة، و15 جنيه مصاريف اتنين من عيالي في المدرسة".

وتابعت: "إحنا أوقات كتير بيكون مش معانا الـ80 جنيه فيومنا بيقف، فممكن نستغنى عن الفطار يوم، الغدا أوقات بناكل جبنة، أصلا اللحمة مبقتش بتدخل بيتنا.. إحنا الفاكهة نسيناها، بس اللي قررنا أننا نستغنى عنه نهائيًا لأننا من قادرين عليه هي مصاريف المدارس، الأسعار نار إحنا قعدناهم عشان مش عارفين نصرف عليهم.. ربنا يرحمنا".

" استغنينا عن اللحوم نهائيًا بسبب الغلاء"

وبعد رحلتنا مع مأساة "أم أحمد"، انتقلنا لعائلة الحاج "عبد العزيز" المكونة من 8 أفراد، والتي يعمل 4 من أفرادها "الأب والأم وولديهما" لسد أزمة زيادة الأسعار، ورغم ذلك لم يتمكنوا من سد احتياجاتهم الضرورية.

يقول الحاج عبد العزيز: "الأسعار زادت بطريقة غريبة، وإحنا مش قادرين نصرف على البيت، مصاريف أكلنا بس يوميًا وصلت مع الزيادة الكبيرة دي لـ100 جنيه، وإحنا مبنشتغلش بالـ100 جنيه دي، أنا فواعلي بشتغل على باب الله، ومش معروفلي دخل ثابت، ومراتي دادة في مدرسة بتقبض شهريًا 600 جنيه، وعيالي الاتنين زيي بيجيلهم في اليوم 50 جنيه".

وأضاف: "إحنا بنقضي يومنا بالعافية، استغنينا عن اللحمة نهائيًا، الأول كنا بناكلها كل شهر دلوقتي إحنا منعينها وبقيت من المحرمات على بيتنا، لأننا مش معانا فلوس نجيبها، ممكن بس تدخل لو حد مقتدر جبهالنا غير كده لأ.. تقريبًا الأطفال الصغيرين في عيلتي بكبره على إنه يكره اللحمة لأنه مش هيقدر يشتريها، يا رب بس نلاقي تمن العيش والجبنة، إحنا حاسيين إننا مش هنلاقي الأكل بعد كده ربنا يسترها".

"اقتصاديات محشش"

لم تنتهي معاناة أهالي عزبة "خير الله" عند ذلك الحد، قال لنا "محمد" أحد سائقي تكاتك العزبة عن معاناته مع ارتفاع الأسعار التي وصلت لاستغنائه عن السكر حيث قال: "أنا دلوقتي مبعرفش أجيب السكر، بجيب الحشيش والبرشام أسهل وأسرع، هو مش مشكلة غلي هو كمان بس بعرف ألاقيه إنما السكر مبعرفش".

وعن مصاريف يومه قال: "أنا بفطر لوحدي في اليوم بـ5 جنيه، وبتغدا بـ30 جنيه، والعشاء بـ15 جنيه، وبرفه عن نفسي بالحشيش السجارتين بـ50 جنيه، كنت زمان بجيب النص بخمسين دلوقتي النص بـ150 جنيه فبكتفي بالسجارتين، وعلبة سجاير بـ20، يعني اليوم بيقف عليا بـ120 وده من غير مكملات اليوم، قررت متجوزش أنا لوحدي مصاريفي مبجبهاش من شغلي على التوتوك أتجوز إزاي وهصرف منين".


"بسبب الغلاء رجعنا نعيش في عصر الظلام"

وقبل خروجنا من "عزبة خير الله" استوقفنا عم "إبراهيم" المنجد الذي روى لنا مأساته مع ارتفاع الأسعار والتي وصلت إلى حد عيشته في ظلام دامس داخل منزله بسبب عدادات الممارسة الكهربائية، قائلًا: "الأسعار الزفت اللي زادت أتسببت في إننا نعيش في ضلمة، النور قاطع عندنا بسبب العدادات الغريبة اللي ركبوهلنا، طيب إحنا نعمل إيه أنا مش فاهم.. والله أحنا عايشين من غير كهربا بنتذل والدولة ولا حاسة بينا، زيادة الأسعار خليتنا مبنفكرش في الضلمة تعايشنا معاها وأصبحت جزء من حياتنا، كل حاجة بنعملها الصبح في نور ربنا وبليل بننام كأننا رجعنا لعصر الظلام".

"ارتفاع الأسعار خلاني تخليت عن رجولتي"

وعن باقي معاناته مع ارتفاع الأسعار يقول عم إبراهيم: "ارتفاع الأسعار خلاني استغنى عن جزء من رجولتي.. رغم إني فلاح وعاداتي وتقاليدي تمنعني أني أظهر احتياجي للفلوس قدام حد، بقيت بطلب من مراتي فلوس، لو مثلًا حد من إخواتي جاي من السفر وهيقضي معانا يومين أوقات بطلب منهم فلوس، أنا مش عارف أعمل إيه تاني، بجد ربنا يرحمنا ويهدي النظام علينا".

هكذا جسد أهالي "عزبة خير الله" حال مواطنين الشعب المصري بكافة فئاتهم بعد ارتفاع الأسعار، الذي تسبب في استغنائهم عن متطلباتهم اليومية والأساسية لاستكمال الحياة.