لا طيرة ولا تشاؤم في الإسلام لكن الله خلق لنا التاريخ ووضعه في الأرض حتى يتخذ الناس منه عبرة، ودائماً وأبداً يثبت التاريخ أن الفنانين "الصف الثاني والثالث"، هم العنصر الأبرز في إجهاض أي فرحة مصرية أو حتى مشروع إنجاز، ودائماً يُقْتَرن الفنانين في المناسبات الوطنية الهامة بالمصائب على مدار التاريخ.
لعنتهم موجودة منذ زمن
كانت مرحلة الخمسينيات وأوائل الستينيات هي أقوى دعم للفن والفنانين الذين كانوا يمثلون 50 % من قوة مصر الناعمة، وربما لا يكون مبالغة أن يقارن تأثير جمال عبدالناصر في الداخل والخارج، بتأثير الفنانين أيضاً.
مع منتصف الستينيات نسي الفنانين أنفسهم فتصدروا المشهد لدرجة أوصلتهم إلى لُب عصب الدولة المصرية فكانت سهرتهم الصاخبة التي أخذت من شعار دعم الجيش ضد إسرائيل ستاراً، بينما الحقيقة أنهم ذهبوا في نزهة ليس أكثر، وكانت النتيجة فجر يوم 5 يونيو حيث وقعت النكسة العسكرية التي صارت لعنة في تاريخ مصر والمنطقة العربية لا زلنا نعاني من آثارها إلى الآن.
مع تنحي عبدالناصر فارق غالبية نجوم الفن من الطبقة الثانية والثالثة المشهد المصري للأبد واقتصرت أدوراهم على مشاهد قليلة وفضائح تاريخية لازمتهم إلى اليوم، أما من نافقوا المناسبة الوطنية بالأغاني الوطنية انكسرت شوكتهم ولم تقم لهم قائمة إلى أن ماتوا.
حتى لو تقدمنا .. مافيش فايدة
تعاقبت الحكومات وتغيرت الأنظمة منذ 1967 م ولم يتغير أسلوب الفنانين في استغلال أي مناسبة وطنية أو رياضية لصالحهم، فظل نحسهم موجوداً حتى مع تقدم الزمن وتطور الدنيا، ويدلل على ذلك كتيبة الفنانين سنة 2009 م، الذين دمجوا السياسة في الرياضة حين وقعت أحداث مباراة مصر والجزائر في السودان.
قام أحد المطربين بسب الجزائر وسلبها من صفتها فجعلها "بلد المليون لقيط"، بعد أن كانت "بلد المليون شهيد"، بينما جاء آخرون وسبوا الجزائر والسودان حكومةً وشعباً واختلقوا حكايات وقصص لم تحدث في الواقع وتم اكتشاف أنها من وحي خيالهم.
إلى الآن ورغم مضي 9 سنوات على فضائح الفنانين الذين شاركوا في الحرب الإعلامية التي جرت على الجزائر، إلا أن الحساسية لا زالت قائمة بين الشعب المصري والجزائري إلى الآن، وصار سب الفنانين هو السبب الأبرز تملقاً لـ "حسني مبارك"، رغم تنصلهم من أقوالهم واعتذارهم عنها.
لماذا المشهد الحالي ؟
عدد كبير من الفنانين والإعلاميين سافروا إلى سان بطرسبرج بمصاريف تكلفتها شبكة We إحدى شركات الاتصالات الشهيرة في مصر، وليست الأزمة في سفر الفنان دعماً أو تشجعياً، إنما الإشكالية كانت في كم الفوضى التي تسبب فيها هؤلاء الفنانين على المستوى النفسي للاعبيين.
الإعلامي إبراهيم فايق انتقد المشهد عبر صفحته الشخصية في موقع تويتر قائلاً "اللي سامعه من زمايلنا الصحفيين في روسيا.. ان معسكر المنتخب قلب هرجله ونجوم وفنانين واعلاميين وهيصه مش مفهومة.. من فضلكم سيطروا على المعسكر.. هدوء وتركيز إحنا مكسبناش روسيا ومعلمناش حاجة وبلاش تشتيت في اللاعيبه".
ولم يختلف رأي المحلل الرياضي خالد بيومي عن رأي الإعلامي إبراهيم فايق حيث قال "ما ينفعش معسكر وفندق منتخبنا في مدينه زينت يصبح فرح العمده حرام عليكم احنا دمنا بيتحرق".
الصحفي الرياضي ياسر أيوب هو الآخر انتقد تصرف الفنانين والإعلاميين حيث قال "لكل شركة الحق فى دعوة نجوم وفنانين للسفر وتشجيع مصر فى روسيا .. ولكن لماذا يتواجد كل هؤلاء الآن مع منتخب مفترض أنه فى قمة التركيز والاستعداد لمباراة مهمة .. ومن الذى سمح بكل هذا الزحام والفوضى فى فندق المنتخب .. ومن الذى أقنع النجوم بأن وجودهم ضرورى جدا لكى تفوز مصر بفضل تشجيعهم".
هل سنتغير ؟ الإجابة لا .. لهذه الأسباب
الفنان الموهوب ـ هذا إن كان موهوباً بمعايير الفن ـ، ليس رمزاً فنياً فقط وإنما هو سفير مصري من خلال أعماله التي يقدمها وشخصيته التي تظهر، وبالتالي فإن الفنان طالما اعتقد أن مصر في احتياج له فهذا مكمن الفساد والإفساد.ليس مستحيلاً أن يتكرر صعود مصر لبطولة كأس العالم سنة 2022 م، لكن الصعب أن يتغير أسلوب الفنانين في تصدرهم للمشهد طالما أن الدولة تعطيهم أكثر من حجمهم من خلال فتح وسائل الإعلام لهم فيخرجون بتصريحات استفزازية للغاية، والغريب أنهم يرتكنون في ذلك على أنهم "محاسيب الدولة والمحسوبين عليها .. وشيئاً فشيئاً سيعتقدوا أنهم كإعلاميين وفنانيين عبارة عن دولة داخل الدولة لكن من حيث القوة الناعمة ـ هذا إن كانوا أصلاً رموز لقوة مصر الناعمة وهذا مجال فيه شك ـ".