طباعة

"إخلاء الباعة الجائلين من كورنيش النيل" فكرة المجهول الأسود وأحدهم: آكل عيش فين ؟

الجمعة 07/09/2018 01:01 ص

شيماء اليوسف

بائع المشروبات الساخنة بكورنيش النيل

الشارع.. صوت كل من لا يسمع لهم صوتا ومرآة الشعب خاصة الطبقة الكادحة، لا يبخل مطلقا في احتضان كل من يلوذ به، كأنه على دراية كاملة بهم وظروفهم القاسية المؤلمة، يراقبهم رغم صمته يستمع لهم رغم فقدان سمعه، يحنو عليهم ويكفكف دمعاتهم.

"المصري معروف بجبروته" جملة قالها الفنان محمد هنيدي في أحد المشاهد من فيلم"فول الصين العظيم" وقد أضحت عبارة شائعة يرددها البعض في مجمل المواقف التي يقابلها المواطن المصري، خاصة ما تحتاج لدور حاسم أو كما يعبر عنها المصريون " الجدعنة والشهامة".

بائع مشروبات ساخنة
بائع مشروبات ساخنة في كورنيش النيل
هذا الجبروت الذي يكمن في كينونة المواطن المصري، جعله يقف صلبا في أحلك سواد الظروف لا يتراجع عن شهامته التي تتصدر كل مواقفه الحياتية، ومهما بلغت آفاق الصعاب حوله فيقف في وجهها صلبا قويا، ولو أن هذه الظروف واجهت مواطن أخر في بلد أكثر تقدما لانتحر. 

كان ذلك الرجل صاحب الوجه البشوش، ذات الثياب المنمقة، واليدين النظيفتين، قد أتخذ من مقعده على أحد حواف كورنيش النيل بالقاهرة مصدرا للارتزاق يبتاع المشروبات الساخنة، وقد صنع مقهى عفويا صغيرا لا يتجاوز الثلاث أمتار، معبئ بأنواع مختلفة من الأكواب والزجاجات. 
بائع مشروبات ساخنة
بائع مشروبات ساخنة في كورنيش النيل
جاوره الجلوس مراسل "بوابة المواطن" في مساء غامرا بالأمنيات، والتقط له صورا تجسد طبيعة الشخصية المصرية الشديدة القناعة رغم ثقلات الحياة وتقلبات الدهر، إذ دب برأسه المشيب، لكنه لم يؤُثر تماما على جمال ملامحه الغنية بالرضا، والمصقولة بالابتسامة الطيبة، كأنه يرسل رسائل سلام ومحبة للعالم. 

يحمل على كتفيه أحلام عائلته الصغيرة ووطنه الأخر، المكون من زوجته وأبنائه، يحاول مجتهدا أن يكفي حاجات أسرته ويلبي مطالبها ورغباتها بأي قدر مستطاع، فكان الشارع مظلة الأمان بالنسبة له ودرب تطلعاته البسيطة للغاية، فماذا يفعل هؤلاء إن منع الجائلين من عرض مبيعاتهم بالشارع؟
بائع مشروبات ساخنة
بائع مشروبات ساخنة في كورنيش النيل
إن هذا الرجل وغيره وجدوا في الكورنيش ضالتهم وملاذ لقمة عيشهم أو على الأقل مصدر ثاني للكسب، ربما هو بالتحديد لا يسبب أي نوع من العرقلة والعقبات في مكان مجلسه، لكن هناك بالكاد من اتخذوا من كورنيش النيل مركزا للتسول، مضايقة المواطنين إضافة إلى ممارسة السلوكيات الغير حضارية. 

ماذا إن تم إخلاء كورنيش النيل من الباعة الجائلين وتأجيره لمستثمرين؟ منذ العام الماضي وتدال الكثيرين أخبارا عن نية محافظ القاهرة، عاطف عبد الحميد، أن يبحث مع الجهات المعنية ووزارة الري عرض منطقة الكورنيش للاستثمار، وفق عائد مادي، في ضوء أن يصبح الممشى بالمجان للمواطنين ومنذ العام الماضي ولم يحدث أي شيء حتى الآن. 

انفق على تطوير مرافق كورنيش النيل خلال 2017م، ما يقرب من 20 مليون جنيه مصريا ومع ذلك قام الباعة المتجولون بنصب الكراسي حوله، وكانت هناك خطة لتحويل الممشى إلى شارع في ضوء تعاون المحافظة مع هيئة الرقابة الإدارية، شكاوى كثيرة طرحت بسبب استحواذ الباعة الجائلين على كورنيش النيل، وهذا ما جعل إدارة المحافظة تخطط لإخلائه من الباعة للمحافظة على شكله الحضاري.