تجلس على الرصيف، تلتفت يمنة ويسرة، تتأمل أوضاع المارة وأحوالهم بحكمة بالغة، سرعان ما تتعرف على الغرباء، رغم إجرائها عجزها البصري إلا أنها تتمتع بقدرة تركيز عالية، جعلتها جديرة بتحمل مسؤولية يعجز عنها الرجل، من يراها يظنها للوهلة الأولى من سكان الشارع، لكن واقعها فرض عليها أن تصير "غفيرة وعاملة" بمدرسة "أسطبل عنتر" بمصر القديمة لسنوات طويلة.

تقطن الحاجة "كاملة كامل" برفقة ابنها "كريم" بالمدرسة، بعد أن أصيب زوجها بشلل، أنفقت كل ما تملكه لتعالجه وباءت محاولاتها بالفشل، فمكث برفقة ابنته في النهضة، وظلت كاملة ترعى ابنها طالب الثانوية العامة وتصرف ما تملكه عليه:"بقالي 20 سنة شغالة في المدرسة بحرسها وانضفها وعايشة فيها أنا وابني، ومدير المدرسة قعدني لما عرف إني مليش سكن، كل الناس اللى في الشارع يعرفونى ومحدش بيقدر يضرني".

رغم ثقل الحمل عليها ألا أنها تستقبل الحياة بصدر رحب وتتمنى أن يحصل ابنها على مجموع عال بالثانوية العامة، لكن خيم عليها الحزن بعد أن عجزت عن شراء الكتب الخارجية له، تؤكد المرأة الستينية أن صحتها في تدهور مستمر وخاصةً في أوقات الدراسة التي يتركز بها العمل الشاق: "بمسح الحمامات واكنس الحوش، وكمان المدرسة ابتدائي والعيال شقية".

تقول أنها أصيبت بالذعر بعد أن جاء قرار هدم لمباني المدرسة، لكن القدر كان أكثر رفقًأ بها عندما طبق القرار على المبنى المجاور لها وظلت بمسكنها: "لو كان المبنى اتهد كنت هترمي في الشارع انا وابني، وأنا مش متثبتة في الشغل لحد دلوقت، وداخلة جمعية عشان أجهز بنتي المخطوبة".

تضع "كاملة" حبل صغير بين شجرتين تنشر ملابسها عليه، وتحرص على ملؤه بالملابس يومي العطلة الأسبوعية الجمعة والسبت: "كل العيال في المدرسة بيحبونى ويعرفوني، وأهل المنطقة كمان عشان كده بحرص المدرسة وأنا مطمنة وعمري ما اتعرضت لمشكلة من يوم ما اشتغلت".