في خفة ونشاط أسرعت بإحضار "جردل البويه" وتسلقت سلمها الخشبي، لتبدأ بطلاء غرفتها التي تأويها هي وصغارها، بعد أن اتخذت قرارها الصارم بالخروج من عباءة الفقر التي ظلت ترتديها لسنوات عديدة، فبدأت برسم نقوشًا صغيرة وفراشات لتدخل البهجة على نفوس أطفالها، وبتدبيرها وحكمتها البالغة أدخرت من أجرها الشهري الذي لا يتعدى الـ 700 جنيه من عملها بالنظافة في السكة الحديد وأحضرت "سرير ودولاب" بعد أن قضت عامًا نائمة أرضًا برفقة أطفالها.

سنوات عديدة مضت ولا زالت تخفي الدموع بين جفونها، تستقبل صغارها بابتسامة لا تفارق ملامحها وكأنها لا تحمل همًا ولا تبالي ضيقًا، تقول ابتسام فاروق إن زوجها باع جميع "عفشها" وتركها تدفع إيجار الشقة لكونه عاطلًا عن العمل ثم قام بهجرها، لم تجد مفرًا سوى ترك الشقة وذهبت إلي بيت جدتها المهجور بحكر الشرابية: "مفهوش حمام ولا نقطة ميه، ده غير انه ممكن يقع فوق دماغنا في أي وقت، وأنا ندمانة إنى اتجوزت بس كنا 7 بنات في أوضة وكانت أمي عاوزة تجوزنا وخلاص"، بدأت المرأة العشرينية طريقها بالعمل في البيوت لكنها وجدت عملها بلا جدوى ولم تستطع الادخار منه، فقررت العمل بنظافة السكة الحديد لتعول أسرتها.

وتؤكد: "ابني الكبير في 3 ابتدائي ودخلته درسين، والاتنين التانين مش قادرة أدخلهم حضانة وأنا مش متعلمة عشان أذاكر ليهم، وكل يوم بعيط من اللي أنا فيه بس مش ببين ده لعيالي وبحاول على قد ما أقدر اعملهم من الفسيخ شربات"، تبدأ ابتسام يومها في الـ6 صباحًا، تنظف عربات القطار وتخلو رصيف المحطة من القمامة، ثم تجمع الكراتين برفقة زملائها وتقوم ببيعها وتأخذ كل منهم نصيبها.

وتضيف: "مش عاوزة جوزي يرجع احنا كويسين من غيره، نفسى حد يحس بينا بجد مش عشاني عشان العيال، نفسى أعلمهم أوي، كل دقيقة بعيط حتى الأكل بعمله ومش بحس بطعمه وبقرف لا حمام ولا ميه لوعندي الاتنين دول الحاجة هتدراى وهاكل بنفس، والبيت أصلًا يعتبر واقع بنام وبنتشاهد قبل ما ننام، وكل يوم بروح أملى ميه من الشارع التاني واجي لما تعبت، بس مش ببين كل ده قدام عيالي وبحاول أظهر اني مبسوطة عشانهم".