المواطن

رئيس مجلسي
الإدارة والتحرير
مسعد شاهين

بـ"العطش والمرض".. الموت تصيّد عمال حفر قناة السويس

الإثنين 24/أبريل/2017 - 04:56 م
رحاب جمعة
طباعة
يخطفونهم من وسط حقولهم وشوارع قراهم، ليقتدوهم في رحلة طويلة تصل لـ 20 يوم من بينهم أربعة أيام يمشونها سيرًا على الأقدام، ليصلوا إلى ساحة حفر كبيرة لتبدأ مأساتهم مع حفر قناة السويس التي أودت بأرواح الكثيرين منهم.

هذا هو حال عمال حفر قناة السويس، التي بدأت أعمال حفرها في مثل هذا اليوم الرابع والعشرين من أبريل عام 1859، بأيادي السخرة المصرية.

قابل العمال الصريين عدد من الأزمات والكوارث التي أودت بحياة الكثير منهم، والتي تمثلت في انتشار الأوبئة، واختفاء المياة، والعمل بالسخرة.

مجانية العمل

كانت أول الأزمات التي أرهقت العمال، مجانية عملهم، حيث أن العمال كانوا يعملون تلك الاعمال الشاقة دون أي ربح مادي، فكانوا يتغيبون عن بيوتهم وعن حقولهم ومزارعهم، ولم يسمح لهم بالعودة إلا بعد شهر، وكان ذلك دون أي مقابل مادي يعوضهم عن تعبهم.

الضرب بالكرباج والزج في السجون

بعد وصول العمال إلى ساحات الحفر منهكي القوة بعد السفر الطويل، تبدأ عملية فرزهم إلى قسمين "الفريق القوي، والفريق الأقوى" ويعطي كل فريق من الفريق القوي قفة لجمع أنقاض عملية الحفر، ونقلها بعيدا عن مجرى القناة في مكان تحدده الشركة، فيما الفريق الأقوى فيعطى كل واحد منهم فأسا يضرب بها في الأرض لحفر القناة ويهبط بها في الأرض إلى أن يبلغ في حفرها العمق المطلوب، ولم يكن العمال يعملون إلا تحت إكراه "ِشيوخ العمال" الذين كانوا يمسكون بالكرباج طوال النهار.

وكان لم يكن يسمح للعمال بالعودة إلى قراهم إلا بعد انتهاء شهر في العمل، وهو ما كان يتحينه العمال للهرب من العمل، وإذا اسكوا به يزجوهم داخل السجون.

وكانت الشركة تبدل عمال السخرة كل شهر، لأن العمال بعد شهر من العمل المتصل في الصحراء وسط الرقابة الصارمة المفروضة عليهم، يصبح إنتاجهم من الحفر ضئيلا.

موت العمال بسبب العطش

"جثث ملقاة في الصحراء تنهشها الذئاب".. هذا حال بعض عمال حفر قناة السويس الذين يستسلمون لعطشهم فيهرعون وراء حاجتهم بحثًا عن الماء ليلقوا حتفهم في العراء فتهنهشهم الذئاب.

استخدمت الشركة المسئولة عن الحفر عدد من الطرق البدائية في نقل المياة للعمل، الأمر الذي تسبب في موت العمال بسبب العطش، فكانت الشركة تنقل مياه الشرب إلى ساحات الحفر عبر الجمال وعبر السفن، أو الاتفاق مع كبار الصيادين على شحن براميل المياه لهم، وعند التأخر لأي سبب سواء في قوافل الجمال أو السفن في نقل المياه "يصبح الموقف خطيرا جدا" بنص أحد البرقيات من العمال للشركة.

وكان معظم العمال يلوذون بالفرار من ساحات الحفر حين يستشعرون الخطر الداهم بسبب نفاد كميات الماء وتأخر وصول القوافل المنتظرة، فكانوا يلقون حتفهم في الصحراء وتظل جثثهم في العراء تنهشها الذئاب، فيما كان بعض العمال يقاسون كثيرا من شرب الماء المالح من البحيرات أو الآبار.

إنتشار الأمراض والأوبئة بين العمال

بسبب سوء الأحوال الجوية أثناء حفر قناة السويس انتشرت الأمراض وتفشت الأوبئة بين العمال، وكان الموت مصيرهم، بعد إصابتهم بأقل من 48 ساعة، حين كان أطباء الشرطة يجدونهم جثثا هامدة، فانتشرت في ساحات حفر القناة عدد من الأمراض كـ"التيفود، التيفوس، الجدري والكوليرا والحمي الراجعة، والنزلات الشعبية، والأمراض الصدرية والرمدية".

فنتيجة الحفر باستخدام الأدوات البدائية انتشرت بين العمال في ساحات الحفر، النزلات الشعبية والأمراض الصدرية والرمدية وحالات الإسهال الشديد، والدوسنتاريا وأمراض الكبد، كما ضربت البلاد في شتاء العام 1863 موجة شديدة من البرد القارس، نتج عندها تجمد المياه نتيجة هبوط درجات الحرارة إلى ما تحت الصفر، وأمطرت السماء قطعا من الثلج، فيما كان نصيب ساحات الحفر من البرد أشده وأعنفه، كما كانت الشركة ترفض توفير وسائل التدفئة العمال بسبب التكلفة الأمر الذي كان يعرضهم للأمراض.

وصلت نسبة المرضى كما سجلتها جداول الشركة تساوي ثلاثة من عشرة% من عدد العمال الكلي، في حين أن نسبة الوفيات بين المرضى تصل إلى 12 % تقريبا، ما يكشف عن الظروف والأجواء الصعبة التي عمل فيها عمال السخرة المصريين في ذلك الوقت.

ظهر التيفود في بدايات العام 1862 في ساحة الحفر رقم 6 بمنطقة عتبة الجسر، وخلال شهر واحد حصر المرض 21 عاملا، وأصيب به 512 عاملا، حسب إحصائيات الشركة، وفي العام التالي 1863 والذي كان عاما كارثيا على مصر وأهلها، حل بالبلاد وباءي "التيفود والتيفوس" معا، بعد انتشار مرض الطاعون البقري، وبلغ عدد ضحايا الوباءين 225 مصابا، و37 متوفيا، حسب سجلات الشركة.

كما تسرب وباء الجدري إلى ساحات الحفر في العام التالي، وبعدها اجتاحت الكوليرا ساحات الحفر في العام 1865، كأخطر وأشد وباء شهدته مدن القناة، وعلى الرغم من أن الوباء تفشى بشدة في منطقة القناة بين شهري يونيو ويوليو 1865، إلا أن وثائق الشركة لا تشير إلى عدد العمال المصريين المصابين بالوباء، واقتصرت في إحصائياتها على العمال الأجانب فقط.
هل تتوقع تألق إمام عاشور مع الأهلي هذا الموسم....؟

هل تتوقع تألق إمام عاشور مع الأهلي هذا الموسم....؟
ads
ads
ads
ads
ads