المواطن

رئيس مجلسي
الإدارة والتحرير
مسعد شاهين

"محمل الكسوة" حفل زينة البيت الحرام بالقباطي المصرية

السبت 18/أغسطس/2018 - 10:31 ص
إسلام مصطفى
طباعة
مجموعة من الناس تترقب أنا تملأ أعينها بمنظر مُقدسهم وجمال كسوته، بالتحديد في التاسع من ذي الحجة، أنهم الحجيج الذين ذهبوا إلى أول بيت وضع للناس بمكة المُكرمة، حاملين الأشواق والحنين العتيقين في قلوبهم، اللذين بدأ ينموان بداخلهم منذ نعومة أظافرهم، تلك الأجواء الروحانية التي يعج بها الحرم المكي، لاسيما مع جمال منظر كسوة الكعبة، يستحضر في أذهان المسلمين، تاريخ كسوة الكعبة الذي نالت مصر الشرف لفترة طويلة في كسوتها، لاسيما بالتزامن مع نشر متحف النسيج المصري فيديو لقطع نادرة من "محمل كسوة الكعبة"، الذي كانت ترسله مصر على مدار حوالي 7 قرون، إلى أرض الحجاز، فماذا عن دور مصر في كساء الكعبة؟

تعود الأصول التاريخية لبصمة مصر في موضوع كسوة الكعبة إلى عصر سيدنا عمر بن الخطاب، فبحسب ما ورد الباحث خليل الأحمد الحسين، في بحث معنون بـ"تاريخ كسوة الكعبة في العصر المملوكي"، فقد أوصى "الفاروق" بصناعة كسوة الكعبة من قماش "القباطي"؛ أي القماش المصري، والذي يرجع سبب تسميته بهذا الاسم إلى أقباط مصر، لا سيما وأن مصر كانت تشتهر آنذاك بالمهارة في صناعة النسيج والأقمشة، والثياب.

وأرخ الفكاهي في كتابه "أخبار مكة"، لهذا الأمر، مدونًا: "..ورأيت كسوة من قباطي مصر مكتوبًا عليها: بسم الله، من بركة الله، مما أمر به عبد الله المهدي محمد أمير المؤمنين، أصلحه الله، محمد بن سليمان أن يصنع في طراز "تنيس" كسوة الكعبة، على يد الخطاب بن مسلمة عاملة سنة تسع وخمسين ومائة.

وبحسب ما ذكر إبراهيم حلمي في كتابه "كسوة الكعبة المُشرفة وفنون الحجاج"، كانت بصمات الذوق المصري واضحة فوق كساء بيت الله الحرام مُنذ بواكير الاهتمام به في عصر النبي، موضحًا أن "تنيس" إحدى مُدن دمياط التي اشتهرت بصناعة كسوة الكعبة المُشرفة، وفق أصول الصنعة التي تحذقها هي، وبلدة أُخرى شهيرة بصناعتها لها أيضًا، وتدعى "تونة"، وتؤكد كتب التاريخ أن عمر بن الخطاب كسا الكعبة القباطي، على غرار النبي صلى الله عليه وسلم، الذي كساها القباطي والحبرات، ومثلهما أبو بكر وعثمان، بحسب ما جاء بكتاب "أعلام الأنام بتاريخ بيت الله الحرام"، وعرفت سعاد ماهر في كتابها "النسيج الإسلامي"، قماش القباطي بأنه، "قماشًا مصريًا منسوجًا من الكتان المبيض وبه زخارف كتابية على شكل دوائر".

ومُنذ بداية العصر العباسي كان يدون على كسوة الكعبة تاريخ ومكان الصُنع، ولما كانت كسوة الكعبة تُمثل رمزًا سياسيًا وعسكريًا وحضاريًا، لاسيما وأنها رمز من رموز السيادة على العالم الإسلامي، سعت مصر مُنذ عصر الدولة الفاطمية إلى إرسال كسوة الكعبة في محمل إلى أراضي الحجاز، والذي صاحبه طقوس خاصة أثناء الرحلة.

واعتاد عمر بن الخطاب أن ينزع كسوة الكعبة القديمة سنويًا، ويفرقها على الحجاج؛ ليستظلوا بها بعد وضعها على نوع من الأشجار بمكة يُسمى السمر، كما جاء في كتاب "فقه السُنة" للسيد سابق، وظلت كسوة الكعبة تُصنع في مصر على مر العصور بعد عصر الخلفاء الراشدين، مرورًا بالعباسيين والأمويين، والفاطميين أيضًا.

وبدأت فكرة المحمل المصري الذي يحمل كسوة الكعبة إلى الأراضي المُقدسة في عصر المماليك، الذين رأوا أنه الاستئثار بها يُمثل رمزًا سياسيًا وحضاريًا، بل رمزًا من رموز السيادة على العالمين العربي والإسلامي، بحسب ما جاء في بحث لخليل الأحمد بن حسين، معنون بـ"كسوة الكعبة في العصر المملوكي"، والذي أوضح أن الظاهر بيبرس بعد تسلمه حكم مصر أراد أن تكون له شرعية مؤيدة على أرض الواقع، لاسيما وأن المُتربصين به كانوا كُثر، على رأسهم بقايا البيت الأيوبي بالشام، الذي أراد أن ينزع الحكم من المماليك، إلا أن بيبرس فكر في طريقة ليوطد فيها حمه، فسار على نهج الخلافة العباسية بتبنيه كساء الكعبة كل عام، حتى يكون له حقًا في الإشراف على الحرمين الشريفين، وأن يصبح صاحب السيادة العليا دون غيره من الملوك والحكام.

وبدأ خطته بإصلاحات في الحرم النبوي، فضلًا عن بناء بيمارستان هناك، وإرسال زيوت وشموع إلى الحرمين الشريفين، والطحين والقمح الذي يوزع على الفقراء، وغير ذلك من ستائر وديباج للضريح النبوي والكعبة، وتميز بما كان يتميز به الخلفاء دون الحكام، وهو تسفير الموكب إلى الحجاز كل عام، وصحبة الكسوة تارةً أخرى.

وعن الأجواء المُحيطة بموكب المحمل الذي صاحبه السلطان بيبرس، ذاهبًا للحج،وصف المقريزي ذلك قائلًا: "دخل مكة في خامس ذي الحجة، وأعطى خواصه أموالًا؛ لتفرق على الناس سرًا، وعم أهل الحرمين بالكسوة التي فرقها، وصار السلطان.. كآحاد الناس لا يحجبه أحد، ولا يحرسه إلا الله.. وعلق كسوة الكعبة بيده ومعه خواصه"، وبحسب ابن شداد في كتاب "تاريخ الملك الظاهر"، استمر بيبرس على كسوة الكعبة كل عام، كما ذكر أيضًا، "انتهت الكسوة برسم الكعبة الشريفة، وطيف بالمحمل، وتوجه بها الطواشي جمال الدين محسن الصالحي، مشد الخزانة أمير الركب، بحبة عالم عظيم لا عدد له".

وعلى نهج بيبرس سار سلاطين المماليك، فكل عام كانت تُصنع كسوة الكعبة، ويتجه المحمل من الديار المصرية بها مع أمير الركب، ويكسى البيت بالكسوة المُجهزة، مع المحمل، ويأخذ سدنة البيت؛ أي الكسوة القديمة؛ لمهاداة الملوك وأشراف الناس بها، كما أنهم اعتادوا على تغيير كسوة البيت الداخلية، ولكن ليس كل عام لاسيما وأنها محفوظة بالداخل لا تصلها شمس، إلا أن السلطان ناصر بن برقوق غير كسوة الكعبة من اللون الأبيض إلى الأسود، والذي استمر عليه ملوك مصر حتى الاستيلاء على مكة، بإلباس الكعبة بالديباج الأسود، وحتى الآن.

مظاهر الاحتفال بمحمل كسوة الكعبة
ووصف ابن بطوطة في كتابه "رحلة ابن بطوطة"، المحمل المصري المسافر إلى الأراضي المُقدسة بكسوة الكعبة، بأن اليوم كان يومًا مشهودًا، واصفًا الموكب بأن هناك أربعة قضاة بصحبة وكيل بيت المال والمُحتسب، وركب من أعلام الفقهاء، وأمناء الرؤساء، وأرباب الدولة، يصطحبون المحمل، الذي يخرج لهم على جمل، أمامه الأمير المعين لسفر الحجاز في تلك السنة، ومعه عسكره والسقاوون على جمالهم، ويجتمع الناس بصنوفهم من رجال ونساء للكواف بالمحمل بمدينة القاهرة ومصر.

واحتفلت مصر بدوران المحمل، مرتين في العام، على دورتين الأولى عُرفت بدوران المحمل الرجبي، والتي استحدثهها بيبرس عام 675هـ، والغرض منها إعلام الناس أن الطريق من مصر للحجاز آمن، لإبلاغهم برسالة فحواها أن من أراد الحج فلا يتأخر ولا يتخوف من الطريق، أما الدورة الثانية في شوال، وفيها يخرج المحمل إلى الحجاز.

ومن مظاهر الاحتفال بالمحمل كان الناس يزينون حوانيتهم وبيوتهم، في ليلة الاحتفال، وكان يُحرق النفط وتعمل الصورايخ؛ ليتفرج الناس وافدين من كل حدب وصوب، ومنهم من قضى ليلته بالطريق، وكانت الحوانيت والأسواق تُزين بشق الحرير والحلي، وغالبًا يكون دوران المحمل يوم الإثنين أو الخميس، وعندها توضع الكسوة، المصنوعة من الحرير النفيس والمطرز بالذهب والقصب، على جمل، وينطلق الموكب من باب النصر، مع المرافقين له من القضاة والمماليك والشهود وغيرهم، ويركب جماعة من المماليك السلطانية الرماحة المُرتدين ملابس الحرب حاملين الرماح بأيديهم، ويص الموكب إلى القلعة، ومن ثم ينصرف للفسطاط، على أن يخرج بعض الحجاج للزيارة في رجب، وتسمى الحجة الرجبية.

وبحسب كتاب "المجتمع المصري في عصر سلاطين المماليك"، عاشور سعيد، أن الموسم الرئيسي لخروج الحجاج للحجاز في شوال، في حين وصف القلقشندي في كتابه "صُبح الأعشى"، خروج المحمل بأنه كان يُنظم احتفال كبير في منتصف شوال؛ أي بعد الفطر بأيام، إلا أن الاحتفال هنا يختلف عن احتفال الدورة الرجبية في أنه بعد الوصول للقلعة لا يتوجه للفسطاط وإنما يعود للقلعة عند باب النصر، ومنها إلى الريدانية للسفر للحجاز.

وبحسب كتاب "حُسن المُحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة"، كان الركب يخرج من مصر بـ"المحمل السُلطاني والسبيل والمُسبل للفقراء والضُعفاء والمُنقطعين بالماء والزاد والأشرية والأدوية.."، وكانت الكعبة تُكسى في يوم النحر من كل عام، على أن تُسدل من أعلاها ولا تسبل للنهاية، إلا بعد أيام من يوم النحر.

وسار محمد علي باشا على نفس النهج، إلا أنه تم تأسيس دار صناعة لكسوة الكعبة، بحي الخرنفش بباب الشعرية، عام 1233، واستمر العمل بها حتى عام 1962م قبل توقف مصر عن إرسال كسوة الكعبة وتولي السعودية ذلك الأمر، وكان يُقيم محمد علي حفل رسمي تخرج خلاله كسوة الكعبة إلى ميدان الرميلة بالقرب من القلعة.

أخبار تهمك

هل تتوقع تألق إمام عاشور مع الأهلي هذا الموسم....؟

هل تتوقع تألق إمام عاشور مع الأهلي هذا الموسم....؟
ads
ads
ads
ads
ads