المواطن

رئيس مجلسي
الإدارة والتحرير
مسعد شاهين

تحليل| مذبحة نيوزيلندا وخطيئة الجماعات الدينية بحق الأقليات المسلمة

الإثنين 18/مارس/2019 - 02:22 م
د. أحمد التلاوي
طباعة
لا تزال مذبحة نيوزيلندا تلقي بظلالها السوداء الثقيلة على المشهد الإنساني، ولاسيما في ظل أنها كانت من أكبر الجرائم دموية، التي تم توثيقها لحظة بلحظة من خلال بثٍّ حيٍّ للمجرم الذي ارتكبها.

ومنذ الجريمة؛ جرى تداول واسع شمل تفاصيلها المقززة، وردود الفعل حولها، والتي جاءت من أصحاب الديانات والإنسانية كافة، وحتى من قيادات دينية وروحية كبيرة، كان من بينها بابا الفاتيكان، البابا فرانسيس ذاته.

كما تم تدقيق وتحليل للرسالة المطوَّلة التي كتبها المجرم الذي نفذ المجزرة، الأسترالي برينتون تارانت، وأرسلها إلى أطراف سياسية وإعلامية قبل الجريمة بعشر دقائق.

وخلصت هذه التقارير والمقالات إلى أن هناك حالة متعاظمة من الرفض للوجود الأجنبي المهاجر في المجتمعات البيضاء، وخصوصًا المسلمين.

كما أشارت إلى دور الخطاب الشعبوي الذي تبناه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، منذ مجيئه إلى البيت الأبيض، في صعود صوت اليمين المتطرف في المجتمعات الغربية.

جماعة الإخوان الإرهابية والجماعات الدينية ودورها في أزمات الأقليات المسلمة
إلا أن هناك جانبًا مهمًّا من التحليل للموقف من المهم تناوله، وتغافلت عنه الكثير من وسائل الإعلام لأنه يأتي من زاوية عكسية لا ينتبه إليها البعض، وهي دور الجماعات الدينية والأنظمة التي تصدِّر خطابًا يظهِر تبنيها لقضايا المسلمين، وعلى رأسها جماعة الإخوان الإرهابية، وتنظيمات العنف باسم السلفية الجهادية، مثل تنظيم الدولة «داعش»، وتنظيم «القاعدة»، والرئيس التركي رجب طيب أردوغان.

فسلوك هذه الجماعات والشخصيات السياسية، كان له - بالمعيار الموضوعي - أثرٌ عميق في مفاقمة المشكلات التي تواجهها الأقليات المسلمة.

ولكي نفهم بعض جوانب الصورة في هذا الصدد؛ نعطي أولًا جانبًا تأصيليًّا ومفاهيميًّا.

في قواعد العمران السياسي والإنساني؛ هناك قوانين ذات حتمية، مثل قانون الاستطاعة وقانون الملائمة.

وقانون الاستطاعة، ويعني أنه ما فوق طاقة قدرتك؛ لا ينبغي أن تفعله، وإلا فشلت، وقانون الملائمة يعني أنه من دون صلاحية الأشياء للتواؤم مع بعضها البعض؛ فإنه لن يمكن إقامة بنيانٍ سليم منها.

هذه قوانين حتمية، لأنها قوانين الخلق الرباني، وتختلف عن قوانين الله تعالى كإله، والتي هي الشريعة؛ حيث إن الإنسان مُخيَّر في اتباعها والإثابة، أو مخالفتها والعقاب، أما قوانين الله تعالى كربٍّ لهذا الكون؛ فلا توجد أية قدرة لأحد على مخالفتها؛ لأنها أساس توازن الكون والخلق.

وهذه القوانين ذُكِرَتْ في القرآن الكريم بوضوح، كما في خواتيم سُورة «البقرة». يقول تعالى: «لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ۚ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ» [سُورة «البقرة» - من الآية 286]، وكما في الآيات؛ فإن ذلك التكليف في إطار قدرة الاستطاعة؛ إنما لتحقيق عنصر العدالة في حساب اللهِ تعالى للإنسان فيما كسب واكتسب من عمل.

وعلى العكس من هذه القوانين؛ فإن رموز كثيرين يعملون في حقل العمل الإسلامي، قد تصدروا لمشهد التجمعات المسلمة في بلدان المهاجر، عن حماسة غير مبنية على علم سليم، أو لأسباب سياسية وتنظيمية تتعلق بهم وبجماعاتهم والحكومات التي تدعمهم؛ قد حولوا ملف الوجود الإسلامي في هذه المجتمعات والبلدان إلى برميل بارود قابل للانفجار.

جماعة الإخوان الإرهابية والجماعات الدينية ودورها في أزمات الأقليات المسلمة
وما جرى في العقود الماضية التي عرفت ظاهرة ما يمكن أن نطلق عليه مسمى «الإسلام التنظيمي» أو «الحركات "الإسلامية"»، حوَّل ملف الأقليات المسلمة إلى رأس حربة أو مكوِّن أساسي من مكونات تصادم حضاري وسياسي، من دون عناصر القدرة والاستطاعة، وعناصر الملائمة؛ وبالتالي؛ فإنه سوف يجعل نيوزيلندا؛ ألف نيوزيلندا.

فعلى أبسط تقدير؛ فإن العمران السياسي للعالم اليوم، كما كانت وحدته الأساسية هي القبيلة، وقت بعثة الرسول الكريم «صلَّى اللهُ عليه وسلَّم»، فإنه في الوقت الراهن يقوم على الدولة الوطنية المُتعارَف عليها، بحدودها ومؤسساتها، وبالتالي؛ فإن تصدير الصورة التي يقدمها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وجماعة الإخوان على سبيل المثال، عن الأقليات المسلمة كنواةٍ لتحقيق ما أطلق عليه مؤسس الجماعة، حسن البنا، مسمى «أستاذية العالم»، قد أدى إلى إشعار حكومات الدول التي يوجد لديها مهاجرون أو أقليات مسلمة، بأن هناك جزءًا من مجتمعاتها يتحرك في إطار لا يتعلق بهذه الدول بالمعنى المؤسسي والجيوسياسي، خارجي، كما أنه يعمل لصالح مشروع ذي طبيعة سياسية أو اجتماعية أو دينية - أيًّا كان - لا يمت لهوية هذه البلدان أو مصالحها المعتادة بصلة، بل قد يتعارض معها بشدة.

وكل ذلك في علوم النظم يدخل في نطاق مهددات الأمن القومي لأية دولة بمفهوم الدولة المعاصر، ناهينا عن نقطة الهوية التي لا يخفى على المتخصصين أنها نقطة شديدة الحساسية في المجتمعات الغربية حتى الآن، برغم كل صبغات الحضارة وحقوق الإنسان وشعارات التعايش التي ترفعها.

فما لا يعرفه الكثيرون؛ فإن الدولة الوطنية أو الدولة القومية بحدودها الراهنة المتعارف عليها في الغرب، قد ظهرت نتيجة لصلح «ويستفاليا» عام 1648م، والذي أنهى الحروب الدينية والمذهبية في أوروبا، وأنهى صراعات الإقطاعيات، من خلال خلق دول وكيانات لها حدود معروفة.

هذه الدول والكيانات تأسست على حدود وفواصل عرقية ومذهبية دقيقة إلى حدٍّ ما. إذًا هي دول قامت على هويات واضحة، وقامت بهذه الصورة بسبب التعصب الديني والقومي فيها، مما حتَّم وضع حدودٍ لها، من أجل وضع حدٍّ لصراعاتها.

وبالتالي، وعندما يخرج أردوغان أو جماعة الإخوان المسلمين للحديث عن «تمكين» للمسلمين، أو «إقامة الخلافة» من جديد؛ فإن ذلك يعني أن هذه الدول والمجتمعات، سوف تصنِّف المسلمين فيها في خانة الأعداء أو الخصوم، باعتبار أنهم جزء من عملية أكبر تستهدف تفكيك هذه الدول أو تبديل هوياتها لصالح مشروع سياسي آخر.

جماعة الإخوان الإرهابية والجماعات الدينية ودورها في أزمات الأقليات المسلمة
فحتى لو صلُحَت نوايا الإخوان أو أردوغان أو مَن يُسَمُّون أنفسهم بالإسلاميين؛ فإن ذلك النهج يتبنى سياسات غير صحيحة، مما جعل مجتمعات عنصرية بطبيعتها، تعادي المسلمين فيها، وتنظر إليهم كمهدد لهوية مجتمعاتهم، وكذلك أن المسلمين يرفضون التعايش، والأسوأ أنهم - وفق مفاهيم شرائح واسعة في المجتمعات الغربية - يرفضون التعايش لاستعلاء ديني لديهم.

ونقف في هذا الإطار عند نموذج مهم تفاعل في الفترة الأخيرة، وهو نموذج أزمة أقلية «الأويجور» في تركستان الشرقية التي تتبع الصين في الوقت الراهن.

فتبعًا لمساعي تحويل أردوغان لزعامة إسلامية - لأسباب لا تتعلق بمصالح المسلمين، ولكن لأسباب سياسية محضة - تم تسخين ملف «الأويجور» في الإعلام الإخواني، والإعلام الدولي الذي تقف خلفه حكومات التحالف الأنجلو أمريكي التي تستهدف المركزيات الكبرى في العالم بالتفكيك، والصين جزء من هذا المخطط.

كما أن ملف «الأويجور» موضوع في الأجندة التركية ضمن مستهدف «قومجي» واسع، يتخفَّى فيه أردوغان خلف شعارات حماسية تجوز على دراويشه، تتعلق بمصالح المسلمين حول العالم، وحماية الأقليات المسلمة في كل مكان يوجدون فيه، بينما الموضوع متصل بسياسات قومية تركية أعاد أحمد داوود أوغلو - منظِّر مشروع «العدالة والتنمية» التركي الأساسي - إحياءها في كتبه التي باتت بمثابة «مانيسفتو» للسياسات الخارجية التركية، وهي سياسات أنقرة تجاه الأقليات التركمانية الأصل في أي مكان يوجدون فيه.

طالع أيضًا:

والمدهش أن هذا الأمر كان وراء انهيار الدولة العثمانية لصالح القوميين الأتراك، وقت ظهور «الرابطة الطورانية» للشعوب التركية، وحزب «الاتحاد والترقي» القومي التركي في مطلع القرن التاسع عشر، بينما تجد الآن، أن الإخوان يساندون أردوغان فيه ويقولون في المقابل إنهم يريدون استعادة وحدة الأمة المسلمة!

وبالتالي؛ فإن الصين في ظل هذا الموقف؛ شددت من إجراءاتها على «الأويجور» ذوي الأصول التركمانية. أي أن سياسات أردوغان والإخوان؛ آذت كثيرًا هذه المجموعة المضطهدة في الأصل، وجعلت السلطات الصينية تضعهم مليونًا منهم في معسكرات اعتقال جماعية وفق تقارير دولية كثيرة.

وهو أمرٌ لا نفتئت فيه على أردوغان؛ حيث إن حلفاءه الأساسيين في آسيا الوسطى، هم من الأوزبيك، وهؤلاء من أكبر القبائل التركية في آسيا، ومنهم مجرم الحرب المعروف، عبد الرشيد دوستم، نائب الرئيس الأفغاني الحالي.
....
وفي الأخير؛ فإن ما يفعله هؤلاء الجهلة؛ جريمة في حق الأقليات المسلمة؛ حيث هم بهذه الطريقة، وببساطة، يهددون الأمن القومي وكيانات الدول ذاتها التي توجد بها هذه الأقليات، وبالتالي؛ حولوهم - بعيدًا حتى عن تورط بعض المهاجرين العرب والمسلمين في جرائم إرهاب هناك - إلى مجموعات معادية.

إن حل مشكلة الأقليات المسلمة؛ ألا يكونوا في سياق تضاد مع المجتمعات التي يعيشون فيها.


أخبار تهمك

هل تتوقع تألق إمام عاشور مع الأهلي هذا الموسم....؟

هل تتوقع تألق إمام عاشور مع الأهلي هذا الموسم....؟
ads
ads
ads
ads
ads