المواطن

رئيس مجلسي
الإدارة والتحرير
مسعد شاهين

دبلوماسي فنزويلي: اليسار اللاتيني عاد إلى الحكم بفعل صمود كاراكاس

الأحد 09/أكتوبر/2022 - 07:38 م
المواطن
فاطمة بدوي
طباعة
بعد أعوام من الحصار، تسعى الإدارة الأميركية لإعادة العلاقات بفنزويلا، التي تمكّنت من الصمود وإثبات قدرتها على تجاوز العقوبات.

يبدو أنّ الرياح المعاكسة لفنزويلا بدأت تهدأ، لا بفعل إرادة البيت الأبيض، الذي كان يطمح إلى مفاعيل أكبر لعقوباته الاقتصادية على كاراكاس، وإلى فوضى مستدامة من خلال استثارة الشعب أو المعارضة للقيام ضد الحكم البوليفاري، وإنما بسبب الإقرار بأنّ الرئيس نيكولاس مادورو وحزبه الحاكم أكثر تجذراً في التربة الفنزويلية مما كان يُعتقد، حتى لو صار البوليفار الفنزويلي لعبة في أيدي أطفال الأزقة (سجلت قيمة الدولار أربعة ملايين بوليفار). 
بلغت العقوبات الأميركية على فنزويلا حدودها القصوى. هذا ما يكشفه تقرير صدر الشهر الماضي عن "مكتب المحاسبة الحكومي" الأميركي، والذي يوضح أنّ العقوبات تسبّبت بعراقيل أمام العاملين في المجال الإنساني في فنزويلا، فضلاً عن الإضرار بعامة الشعب، الذين واجهوا نقصاً في السلع الغذائية والمحروقات، وتدنياً في قيمة الأجور، وتردياً في القطاعات الخدماتية. لكن، على الرغم من هذا الحصار، "فإن الشعب الفنزويلي لا يزال واعياً لفكرة أنّ عدوّه هو واشنطن، وليس الأطراف في الداخل"، بحسب ما يقول السفير الفنزويلي لدى سوريا، خوسيه بيومورجي لوسائل اعلام دولية  
كانت العقوبات على قطاع النفط الفنزويلي هي الأقسى. فالبلد الذي يُعَدُّ صاحب الاحتياط النفطي في العالم، كان يجني كثيراً من الأرباح من هذا القطاع، والذي كان يبيع الولايات المتحدة وحدها نحو مليون برميل يومياً قبل العقوبات، بحسب بيومورجي، واجه كثيراً من الخسائر جراء حرمانه من سوق النفط العالمية، وخصوصاً أنّ الاقتصاد الفنزويلي لم ينبنِ بالاعتماد على الصناعة والزراعة، بل على قطاع النفط (95% من دخل البلاد من العملة الصعبة، و70% من الإيرادات المالية). وهذا ما يُرجعه السفير الفنزويلي إلى تركز الكثافة السكانية في المناطق المدنية، وقلة عدد السكان نسبةً إلى مساحة الأراضي، فضلاً عن اعتماد الشعب على الربح المؤمن والوفير، وهو ما يجده في القطاع النفطي على وجه الخصوص.
أدّت العقوبات إلى انخفاض الإنتاج النفطي من مليوني برميل يومياً عام 2017، مع بدء إدارة دونالد ترامب فرض أولى عقوباتها، إلى أقل من 150 ألف برميل يومياً. كذلك، تسببت مصادرة الأصول الفنزويلية في الخارج بخسارة للدولة تجاوزت 35 مليار دولار، الأمر الذي دفع البلاد إلى حافة الإفلاس. 
كانت الفترة الممتدة بين عامَي 2015 و2020 هي الأقسى، وفق بيومورجي. فُقدت السلع الغذائية، وانصبّ اهتمام الشعب على تأمين لقمة العيش. كان الجوع يستحكم أكثر فأكثر. عمدت الحكومة، عبر إجراءات جوابية بشأن التضخم الكبير، إلى جذب الاستثمارات الخارجية، فأصدر الرئيس مادورو "قراراً يقضي بإعطاء الحريات أكثر في مجال الاستثمار، وأصبح في إمكان الجميع التعامل بالدولار واليورو وأي عملة أخرى". كذلك، جرى دعم القطاعين الزراعي والصناعي، بالاعتماد على الخبرات والموارد المحلية، الأمر الذي مكّن من تخطي كثير من العقبات، بحسب السفير المفوّض حديثاً في دمشق.
كذلك، ألغت السلطات الفنزويلية الضرائب على البضائع المستوردة من الخارج لخفض أسعارها على الفقراء، الأمر الذي ساعد على زيادة حركة المبيعات في الداخل. ولدعم الاستثمار الخارجي، بما في ذلك استثمار المواطنين الفنزويليين الذين عملوا على تهريب عشرات الميارات إلى الخارج عقب العقوبات، توجهت الحكومة الفنزويلة إلى إنشاء مركز يُعنى بحماية المستثمرين وضمان تحقيق الأرباح، الأمر الذي ساهم في جذب رؤوس الأموال أكثر.
الحريات الاقتصادية لا تعني، وفق بيومورجي، التحوّل إلى نمط اقتصادي حر، وإنما التخفيف من الأعباء الحكومية وزيادة شراكة القطاع الخاص، في بلد لا تزال حكومته تمسك بمفاصل المؤسسات الاقتصادية.
يشير الدبلوماسي الفنزويلي إلى أنّ دعم الحلفاء، مثل إيران والصين وروسيا، ساهم أيضاً في صمود فنزويلا أمام الحصار، بل تعززت هذه العلاقات خلال الفترة الأخيرة، واصفاً العلاقة بين طهران وكاراكاس بأنّها "أخوية"، وتقوم على التعاون المشترك في الفترات الحرجة والصعبة، وهو ما تُوّج بتوقيع الرئيسين الفنزويلي والإيراني اتفاقية لتوسيع التعاون المشترك لـ 20 عاماً.
ورأى سفير كاراكاس في دمشق أنّ العاصمتين شكلتا نموذجاً في النظام العالمي الذي يشهد تبدلاً نحو التعددية، إذ استطاعتا أن تصمدا على الرغم من المحاولات الحثيثة لإسقاط نظاميهما، وعلى الرغم من التحولات السياسية المجاورة التي أثرت فيهما سلباً، إذ خسرت فنزويلا عدداً من حلفائها اليساريين خلال الأعوام الماضية، بسبب الانقلابات أو الانتخابات التي فاز فيها اليمين، إلّا أنّ البلدين يشهدان تقدماً، أولاً بسبب التأقلم أكثر مع العقوبات والعمل على التغلب عليها، وثانياً بسبب تضافر دعم الحلفاء، وخصوصاً مع المد اليساري الذي تشهده القارة اللاتينية الآن، مع تسلّم اليساريين الحكم في تشيلي وهندوراس وكولومبيا. وهذه الأخيرة، التي تمتلك الحدود الأكبر مع فنزويلا، كانت رأس حربة في مواجهة فنزويلا قبل أن يتسلم اليساري غوستافو بيترو الرئاسة فيها، ويعيد تمتين العلاقات بكاراكاس. و
اليوم، بعد نحو 6 أعوام من العقوبات الشاملة، تدرس الولايات المتحدة تخفيف العقوبات المفروضة على فنزويلا، حتى تتمكن الأخيرة من ضخ النفط في السوق العالمية، في إقرار شبه رسمي بحاجة واشنطن إلى القدرات الفنزويلية، وإثبات فشل سياسة الحصار التي لم تنجح في تبديل الرئيس، الذي أعلن مؤخراً استعداده لإجراء انتخابات مبكرة، بسبب ثقته بقدرته على الفوز مجدداً بولاية ثالثة. 
صمود فنزويلا أدى إلى صمود اليسار في أميركا الجنوبية، وصمود سوريا ساهم في صمود الشرق الأوسط وعدم سقوطه في يد واشنطن. هذا ما يخلص إليه بيومورجي، الذي يرى أن البلدين آخذان في التقدم على رغم التحديات، ليكونا حجرين أساسيين في المحور الجديد المناوئ لأميركا. 

الكلمات المفتاحية

أخبار تهمك

هل تتوقع تألق إمام عاشور مع الأهلي هذا الموسم....؟

هل تتوقع تألق إمام عاشور مع الأهلي هذا الموسم....؟
ads
ads
ads
ads
ads