أطفال الكهف ونظام الرفيق.. معجزات فرق الإنقاذ لا تنتهي
الإثنين 27/فبراير/2023 - 07:40 م
جهود فرق الإنقاذ
تسنيم هاني
طباعة
فرق الإنقاذ .. قلوب نابضة بالرحمة، تواصل الليل بالنهار، تخلَّوا عن مسايرة الحياة بمغرياتها، مرتدين خُوذهم وسُتراتهم المكسوّة بالغبار المتناثر، مُمسكين بكشافاتهم، نابشين الأنقاض ليس بما يملكون من أدوات بل بأيديهم وبكل جوارحهم أملًا في استرجاع نور الحياة لأحدهم، وجوههم يملؤها الأسى لبشاعة ما يروه من جثث وأشلاء ومشاهد مؤلمة وآثار آمال قد دفنت تحت الركام، ورغم ذاك لا يفتُرون في مواصلة البحث، يَحدُوهم الأمل في إنقاذ أرواح تصارع الموت، كانت تخطط للمستقبل منذ بُرهة من الوقت، في سبيل حياة أفضل.
المعجزات تتحقق على يد فرق الإنقاذ في زلزال تركيا وسوريا
دورٌ ملهم لـ فرق الإنقاذ على مدار السنوات القليلة الماضية في أحداث كان لها انتشارًا واسعًا على المستوى العالمي، آخرها ما قامت به طواقم الإنقاذ في كارثة زلزال تركيا وسوريا، والذي وقع يوم الإثنين 6 فبراير 2023، وتجاوزت حصيلة القتلى 50 ألفًا، ولا زالت تبعاته مستمرة وجراحه لم تلتئم حتى الآن، وقد رسمت طواقم الإنقاذ التي جاءت من كل حدب وصوب لمساندة البلاد المنكوبة - تركيا وسوريا - صورة من أروع صور التضامن والعطاء في ظل شتاءٍ قارسٍ تمر به البلاد.
وأظهرت لنا الصور ومقاطع الفيديو العديد من المشاهد التي تعج بالإنسانية كفرحة فرق الإنقاذ التي ظلت تسارع الزمن على مدار أيام طِوَال عند النجاح في إخراج عالقٍ ظل متشبثًا بالحياة لساعاتٍ أو أيام، وهو ما أعجز الألسن كأمر من قبيل المعجزات، وتهافت عناصر الإنقاذ لتهدئة روعه ببعض الكلمات الطيبة، وإعطاؤه قطرات من الماء لتعود إليه أنفاسه، محتضنين إياه ليشعر بالطمأنينة والأمان، ومن باب العرفان بالجميل قامت السلطات التركيات وعدد من الشعب التركي بتوديع فرق الإنقاذ الدولية بالهدايا والتصفيق عند مغادرتهم البلاد بعد انتهاء عمليات البحث، ودشنوا هاشتاج "تركيا تشكر العرب" وتصدر مواقع التواصل الاجتماعي.
الطفل ريان.. جهود الإغاثة تحت مرآى العالم
وقبل عام مضى، في قرية إغران في إقليم شفشاون شمالي المغرب، ثابرت فرق الإنقاذ طوالة خمسة أيام محاولةً إنقاذ الطفل "ريان أورام" ذو الخمسة أعوام، الذي كان يلهو عصر يوم الثلاثاء الموافق 1 فبراير 2022، وسقط في بئرٍ على مقربة من منزله، عمقه يصل إلى 32 مترًا، وكانت هناك محاولات تطوعية شتى من أجل إنقاذ ريان لكنها باءت بالفشل، وقامت فرق الإنقاذ بالاستعانة بكاميرات لرصد حالة الطفل العالق في البئر والتواصل معه.
وأظهرت الصور الأولى المُلتَقطة أنه لا يزال على قيد الحياة، لكنه كان فاقدًا للوعي ساكنًا لا يتحرك، فسارعت فرق الإنقاذ لمده بأنبوبي ماء و أوكسجين على مدار الساعة، كما استعانت بوسائل تقنية ضخمة كالجرافات، والتي بلغ عددها 5 جرافات للحفر بشكلٍ موازي للبئر وإزالة أكثر من 200 ألف متر مكعب من الأتربة، وكذلك الاستعانة بخبراء ومهندسين طبوغرافيين للحيلولة دون انهيار التربة، أثناء محاولة الوصول للطفل ريان عبر منفذ.
وقد تعرّضت حياة المُنقذين أنفسهم للخطر بحدوث بعض الانهيارات الصخرية، رغم ذلك استمروا حتى إنهم حفروا بأيديهم في بعض الأحيان، وتحولت الحادثة حينها إلى قضية رأي عام، إلى أن تمكنت فرق الإنقاذ من إخراج الطفل من البئر مساء يوم السبت 5 فبراير 2022، إلا أن الديوان الملكي أعلن عن وفاة الطفل ريان متأثرًا بجراحه قبل أن يصله المنقذون، ونُقل جثمانه على متن مروحية تابعة للدرك الملكي إلى المستشفى العسكري في الرباط.
انفجار مرفأ بيروت وكورونا.. بلاءان في آن واحد
وفي ظل الأزمة الخانقة لفيروس كورونا عام 2020، وقع انفجار مرفأ بيروت وهو الحدث الأقسى لهذا العام، والذي وقع يوم الثلاثاء 4 أغسطس 2020، ويعود سبب اندلاع الانفجار إلى احتراق كمية كبيرة من نترات الأمونيوم - مركب يستخدم في صناعة المتفجرات - والتي ظلت مخزنة في ظروف غير آمنة في مرفأ بيروت لمدة 6 سنوات، وقد دمرت هذه الحادثة المفجعة كل شئ بين عشية وضحاها وتحولت بعض الأفراح إلى مآتم أمام عدسات الكاميرات، ما جعلهم يطلقون عليه انفجار "بيروتشيما" تشبيهًا بما جرى لمدينة هيروشيما باليابانوأسفر الانفجار عن مقتل نحو أكثر من 218 شخصًا من بينهم المفقودين الذين لم يعثر لهم على أثر، وإصابة أكثر من 7000 آخرين، وأُعلن عن تضرّر نحو 85 ألف وحدة سكنية، وبات نحو 300 ألف شخص بلا مأوى، واستجابةً لنداء الحكومة اللبنانية للمساعدة ساهمت العديد من الدول من بينهم فلسطين والسعودية وتونس ومصر وتركيا وروسيا وفرنسا وألمانيا بإرسال فرق للإنقاذ تضامنًا مع الشعب اللبناني، وقد خضعت طواقم الإنقاذ لفحوصات كوفيد-19 فور وصولهم الأراضي اللبنانية وأيضًا قبل مغادرتها، وأثناء مباشرتهم لأعمال الإغاثة حاولوا الإلتزام بقدر المستطاع بكافة التدابير الوقائية اللازمة للسلامة من كوفيد-19.
"أطفال الكهف" و "نظام الرفيق"
وسط تغطية إعلامية مكثفة على مدار 17 يومًا، من 23 يونيو عام 2018، ظلت فرق الإنقاذ مشاركةً في عملية إنقاذ 12 طفلًا تتراوح أعمارهم ما بين 11 و 16 سنة، وهم فريق كرة قدم كانوا برفقة مدربهم، وقد حصروا في كهف "ثام ليونغ" الواقع في محافظة 'شيانغ راي" شمال تايلاند، الذي غمرته المياه نتيجة هطول الأمطار بغزارة وسدّت مخارجه أثناء استكشافهم لمجمع الكهوف، ورغم الكثير من العوائق وصعوبة التواصل مع المفقودين استمرت جهود الإغاثة، في ظل توقعات بهطول أمطار غزيرة قد تجعل الأنفاق تمتلئ بمياه سريعة التدفق وارتفاع منسوب المياه بالكهف ما قد يزيد الأمر سوءًا.
وقد شارك في عملية الإنقاذ ما يقارب 1000 شخص من عدة دول منها المملكة لمتحدة والصين وميانمار وأستراليا والولايات المتحدة وروسيا وفنلندا وأوكرانيا والسويد، منهم 90 غواصًا اضطروا للمرور عبر فجوات ضيقة ومياه وحلة حتى يتمكنوا من دخول الكهف والعثور على المفقودين، وفور الوصول إليهم استخدموا "نظام الرفيق" في إنقاذ الأطفال، وهو أن يجلب كل غواص شخصًا من العالقين ابتداءًا بالفتية الأكثر عافية والأكثر استطاعةً لعبور مسار الخروج من أجل إنقاذ أكبر عدد ممكن، وتوالت الإغاثات للمفقودين واحدًا تلو الآخر حتى نجوا جميعًا في 10 يوليو 2018.
آمال بين الآلام، وفرح بنجاة أحدهم وسط الدمار والأشلاء، إصرار وعزيمة رغم التعب، مشاعر متضاربة تعيشها فرق الإنقاذ على مدار السنوات الأخيرة، وهو جهدٌ لا يمكن التغافل عنه أو إنكاره.
