تحفل المتنزهات الوطنية المنتشرة في جميع أنحاء الولايات المتحدة بالتباين الشديد إلى درجة الشطط.
فثمة متنزه تصل فيه درجة الحرارة إلى أكثر من 40 درجة مئوية في بعض أنحائه، بينما تصل في أنحاء أخرى منه إلى درجة تحت الصفر، وبعض المتنزهات تكون جافة في صلابة الأحجار، بينما تهطل على البعض الآخر أمطار غزيرة لتصير مأوى لأعداد لا تحصى من الكائنات الحية سواء من النباتات أو الحيوانات، ومن الغرائب أيضا أن أكبر متنزه من حيث المساحة يمتد على أراض أكثر اتساعا من بعض الولايات الأمريكية.
وتحتفل هيئة المتنزهات الوطنية الأمريكية بعد غد الخميس بمرور مائة عام على تأسيسها، وتشرف هذه الوكالة الأمريكية على جميع المتنزهات الواقعة في الولايات المتحدة بما فيها ميادين المعارك التاريخية والنصب والمباني التذكارية وغيرها من المقاصد.
ويواكب بعد غد اليوم الذي وقع فيه الرئيس الأمريكي وودرو ويلسون ما يعرف باسم " القانون العضوي "، والذي تم بمقتضاه تأسيس هيئة المتنزهات لإدارة أجمل ما يمكن أن تقدمه الولايات المتحدة من المناظر الطبيعية والآثار التاريخية والأثرية والمواقع الثقافية والتي تعد كلها " مجوهرات التاج " الأمريكي.
ويشعر الأمريكيون بالفخر إزاء ما يمتلكونه من متنزهات وطنية، ووصفها الناشط البيئي والس شتيجنر بأنها " أفضل فكرة قمنا بتنفيذها "، مضيفا إنها " أمريكية حتى النخاع، وديمقراطية تماما، وهي تعكس أفضل ما فينا كأمريكيين وليس أسوأ ما فينا ".
وتعد جاذبية هذه المتنزهات وجمالها الطبيعي جزءا من أمريكا، وهو ما يتفق عليه الجميع بغض النظر عن اللون والديانة أو الخلفية الاجتماعية التي جاءوا منها.
وتشرف هيئة المتنزهات على أكثر من 400 موقع، وتحتل المتنزهات الوطنية ما نسبته 59% فقط من هذه المواقع، وتتوزع المواقع في كافة ربوع الولايات المتحدة بدءا من إيفرجلايدز يفرجلادز هي منطقة طبيعية للأراضي الرطبة الاستوائية تقع في الجزء الجنوبي من ولاية فلوريدا، إلى السهول الجرداء الباردة أو التندرا في شمالي ألاسكا، ومن براكين هاواي إلى ساحل ولاية مين في الشمال الشرقي، كما تقع في كثير من الأماكن ووسطها.
وتم تخصيص 50 موقعا آخر ليكون متنزهات وطنية تاريخية، و78 أخرى تم توصيفها كمواقع وطنية تاريخية، كما تضم القائمة مجموعة من الأنهار وسواحل البحيرات ومدقات خلابة المنظر ، وميادين معارك من بين إجمالي 412 موقعا في منظومة المتنزهات الوطنية، كما أدرجت منظمة اليونسكو الكثير منها في قائمة مواقع التراث العالمي.
ومن السهل ملاحظة وجود حراس بالزي الرسمي وهم يضعون قبعات واسعة مطوية الجوانب على رؤوسهم داخل المتنزهات والنصب التذكارية، ويزداد عددهم عند معالم الجذب السياحي التي تلقى إقبالا كبيرا مثل تمثال الحرية في نيويورك، وجبل راشمور وهو جبل من الجرانيت منحوت فيه أربعة رؤساء أمريكيين، وفي قاعة الاستقلال في كل من فيلادلفيا وبنسلفانيا حيث تم توقيع إعلان الاستقلال عام .1776
كما يمكن رؤيتهم في أماكن أخرى غير شهيرة مثل متنزه مونت رينير الوطني بولاية واشنطن الكائنة في الشمال الغربي الأمريكي، وقالت كاثي ستيشن وهي حارسة في هذا الموقع لوكالة الأنباء الألمانية (د.ب.ا) إن المتنزه يهدف إلى إظهار الطبيعة كما هي بطريقة تسمح لكل فرد بأن يراها.
ويمكن للزوار ان يأتوا وهم يدفعون عربات تحمل أطفالهم الرضع كما يمكن للبعض المجيء وهم جالسين في مقاعد ذات عجلات كما تقول كاثي، وكفلت الهيئة رصف الطرقات جيدا داخل المتنزهات حتى تسهل عملية التمتع بالطبيعة، وهي تتيح المعلومات اللازمة للزوار حول المواقع إلى جانب توفير دورات المياه والتسهيلات الصحية مثل أماكن لتغيير ملابس الأطفال الداخلية.
وتعد المتنزهات بمثابة متاحف صغيرة على النمط الأمريكي حيث يسمح للزوار بلمس الأشياء فيها، كما تهدف المتنزهات إلى الحفاظ على مكونات الطبيعة إلى جانب مساعدة الزوار على الاتصال بالطبيعة.
وتشغل الهيئة نحو 22 ألف موظف إلى جانب عدد مماثل من المتطوعين، وقام العاملون والمتطوعون بمساعدة ما يقدر بنحو 307 ملايين زائر على الاستمتاع بالمتنزهات في عام .2015
وعلى الرغم من الشعبية التي تتمتع بها هيئة المتنزهات فإنها تعاني من بعض المشكلات أيضا، حيث لا تكفي ميزانيتها التي تبلغ 6ر2 مليار دولار احتياجاتها، كما يهدد التغيير المناخي الكثير من مواقعها، فمثلا تتعرض الكتل الجليدية الكبرى في ألاسكا للذوبان، كما أن الأنواع المحمية في فلوريدا تضطر للنزوح بسبب وصول حيوانات كانت لا تعيش في المنطقة أصلا.
وقد استغل الرئيس الأمريكي باراك أوباما فرصة هذه الذكرى المئوية لتذكير الأمريكيين بالتهديد الذي يشكله التغيير المناخي على المناطق الطبيعية التاريخية.