طباعة

دار الإفتاء تجيب على سؤال: لماذا جعل الإسلام ميراث المرأة نصف ميراث الرجل؟

الجمعة 02/12/2016 04:19 ص

دار الافتاء

ورد إلى دار الإفتاء المصرية سؤال: جاء فى القرآن: ﴿يوصيكم الله فى أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين﴾ فلماذا يعطى الإسلام المرأة نصف نصيب الرجل، مع أن الحياة تقسو على المرأة أحيانا أكثر من قسوتها على الرجل؟ أن القسمة للذكر مثل حظ الأنثيين هو من العادات الجاهلية.

وكان رد دار الإفتاء، بأن فندت تلك الشبهة تفصيلا وكانت الإجابة كالتالى: -
فلسفة الميراث فى الإسلام:

إن الميراث فى الإسلام نظام بنى على قواعد ومعايير يحسن أن نقدمها هنا حتى يحيط السائل بقواعد هذا العلم؛ فأن التفاوت بين أنصبة الوارثين والوارثات فى فلسفة الميراث الإسلامى إنما تحكمه ثلاثة معايير:

أولها: درجة القرابة بين الوارث، ذكر كان أو أنثى وبين الموروث المتوفى، فكلما اقتربت الصلة زاد النصيب فى الميراث، وكلما ابتعدت الصلة قل النصيب فى الميراث، دونما اعتبار لجنس الوارثين.

وثانيها: موقع الجيل الوارث من التتابع الزمنى للأجيال، فالأجيال التى تستقبل الحياة، وتستعد لتحمل أعبائها، عادة يكون نصيبها فى الميراث أكبر من نصيب الأجيال التى تستدبر الحياة. وتتخفف من أعبائها، بل وتصبح أعباؤها ـ عادة ـ مفروضة على غيرها، وذلك بصرف النظر عن الذكورة والأنوثة للوارثين والوارثات، فبنت المتوفى ترث أكثر من أمه ـ وكلتاهما أنثى ـ وترث البنت أكثر من الأب! حتى لو كانت رضيعة، وحتى لو كان الأب هو مصدر الثروة التى للابن، والتى تنفرد البنت بنصفها! وكذلك يرث الابن أكثر من الأب ـ وكلاهما من الذكور.

وفى هذا المعيار من معايير فلسفة الميراث فى الإسلام حكم إلهية بالغة، ومقاصد ربانية سامية تخفى على الكثيرين، وهى معايير لا علاقة لها بالذكورة والأنوثة على الإطلاق.

وثالثها: العبء المالى الذى يوجب الشرع الإسلامى على الوارث تحمله، والقيام به حيال الآخرين، وهذا هو المعيار الوحيد الذى يثمر تفاوتا بين الذكر والأنثى- من منطلق أن الرجال أكثر تحملا لأعباء النفقة المالية- لكنه مع ذلك لا يفضى إلى أى ظلم للأنثى أو انتقاص من إنصافها، بل ربما كان العكس هو الصحيح! ففى حالة ما إذا اتفق وتساوى الوارثون فى درجة القرابة، واتفقوا وتساووا فى موقع الجيل الوارث من تتابع الأجيال- مثل أولاد المتوفى، ذكورا وإناثا- يكون تفاوت العبء المالى هو السبب فى التفاوت فى أنصبة الميراث، ولذلك لم يعمم القرآن الكريم هذا التفاوت بين الذكر والأنثى فى عموم الوارثين، وإنما حصره فى هذه الحالة بالذات، فقالت الآية القرآنية: ﴿يوصيكم الله فى أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين﴾.

وعند استقراء حالات ومسائل الميراث ـ كما جاءت فى علم الميراث ـ يكشف عن حقيقة قد تذهل الكثيرين عن أفكارهم السابقة والمغلوطة فى هذا الموضوع، فهذا الاستقراء لحالات ومسائل الميراث، يكشف بوضوح:

1 ـ أن هناك أربع حالات فقط ترث فيها المرأة نصف الرجل.

2 ـ وهناك حالات أضعاف هذه الحالات الأربع ترث فيها المرأة مثل الرجل تماما.

3 ـ وهناك حالات عشر أو تزيد ترث فيها المرأة أكثر من الرجل.

4 ـ وهناك حالات ترث فيها المرأة ولا يرث نظيرها من الرجال.

أى أن هناك أكثر من ثلاثين حالة تأخذ فيها المرأة مثل الرجل، أو أكثر منه، أو ترث هى ولا يرث نظيرها من الرجال، فى مقابل أربع حالات محددة ترث فيها المرأة نصف الرجل".

تلك هى ثمرات استقراء حالات ومسائل الميراث فى علم الميراث، التى حكمتها المعايير الإسلامية التى حددتها فلسفة الإسلام فى التوريث، التى لم تقف عند معيار الذكورة والأنوثة، كما يحسب الكثيرون.

الميراث قبل الإسلام:
كانت المرأة فى الجاهلية، تابعا للرجل فى كل شىء، مسلوبة الحق والإرادة، حتى قال عمر بن الخطاب رضى الله عنه: "والله إنا كنا فى الجاهلية لا نعد للنساء أمرا، حتى أنزل الله فيهن ما أنزل، وقسم لهن ما قسم"، ووصل الأمر فى بعض القبائل إلى حد جعلها كالمتاع، تورث كما يورث، وتنتقل إلى الورثة كما ينتقل، وكانوا يحرمونها من كثير من الحقوق، ويرون أنها ليست أهلا لتلك الحقوق، ومما سلبته الجاهلية المرأة الميراث، ثم جاء الإسلام والمرأة تعامل هذه المعاملة الجائرة، فأزال عنها ذلك الحيف وأبعد الظلم، وقرر لها نصيبا من الميراث، ونزل القرآن يقرر حقها فى الميراث، قال تعالى: ﴿للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون مما قل منه أو كثر نصيبا مفروضا﴾.

الميراث عند غير المسلمين:
المرأة فى الديانات الأخرى لا ميراث لها، فلا يحق لها أن ترث إلا فى حال واحد: ألا يكون لها إخوة ذكور.

جاء فى سفر العدد: {وتكلم بنى إسرائيل قائلا أيما رجل مات وليس له ابن تنقلون ملكه إلى ابنته * وإن لم تكن له ابنة تعطوا ملكه لإخوته * وإن لم يكن له إخوة تعطوا ملكه لإخوة أبيه * وإن لم يكن لأبيه إخوة تعطوا ملكه لنسيبه الأقرب إليه من عشيرته فيرثه، فصارت لبنى إسرائيل فريضة قضاء كما أمر الرب موسى}.

فقد ظهر أن الكتاب المقدس جعل الميراث كاملا للابن الذكر فإن لم يكن للمتوفى ابن ذكر ففى هذه الحالة فقط ترث الأنثى.