طباعة

دار الافتاء توضح بالتفصيل مفهوم البدعة في الإسلام

الإثنين 12/12/2016 05:30 ص

دار الافتاء

أوضحت دار الإفتاء المصرية بالتفصيل مفهوم البدعة، بعد ظهور فتاوى متشددة تنكر بعض الأمور على المسلمين كالاحتفال بالمولد النبوي وغيرها، واعتبار ذلك بأنه بدعة.

وقالت دار الإفتاء معرفة معنى البدعة ومفهومها الصحيح لابد أن نتعرف على معناها فى اللغة، وكذلك معناها فى الاصطلاح الشرعى، ونبدأ بالمعنى اللغوى.

فالبدعة فى اللغة: "هى الحدث وما ابتدع من الدين بعد الإكمال، قال ابن السكيت: البدعة كل محدثة.

وأكثر ما يستعمل المبتدع عرفا فى الذم، وقال أبو عدنان: المبتدع الذى يأتى أمرا على شبه لم يكن ابتدأه إياه، وفلان بدع فى هذا الأمر أى أول لم يسبقه أحد، ويقال: ما هو منى ببدع وبديع.. وأبدع وابتدع وتبدع: أتى ببدعة، قال الله تعالى: ﴿ورهبانية ابتدعوها﴾.

وبدعه: نسبة إلى البدعة. واستبدعه: عده بديعا. والبديع: المحدث العجيب. والبديع: المبدع. وأبدعت الشىء: اخترعته لا على مثال. "لسان العرب" بتصرف.

وللعلماء فى تعريف البدعة شرعا مسلكان:

المسلك الأول: وهو مسلك الإمام العز بن عبد السلام؛ حيث اعتبر أن ما لم يفعله النبى صلى الله عليه وآله وسلم بدعة، وقسمها إلى أحكام، حيث قال فى "قواعد الأحكام فى مصالح الأنام: [البدعة فعل ما لم يعهد فى عصر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وهى منقسمة إلى: بدعة واجبة، وبدعة محرمة، وبدعة مندوبة، وبدعة مكروهة، وبدعة مباحة، والطريق فى معرفة ذلك أن تعرض البدعة على قواعد الشريعة: فإن دخلت فى قواعد الإيجاب فهى واجبة، وإن دخلت فى قواعد التحريم فهى محرمة، وإن دخلت فى قواعد المندوب فهى مندوبة، وإن دخلت فى قواعد المكروه فهى مكروهة، وإن دخلت فى قواعد المباح فهى مباحة].

وأكد الإمام الحافظ ابن حجر العسقلانى هذا المعنى؛ حيث قال فى "فتح البارى”: [وكل ما لم يكن فى زمنه يسمى بدعة، لكن منها ما يكون حسنا، ومنها ما يكون بخلاف ذلك].

والمسلك الثانى: جعل مفهوم البدعة فى الشرع أخص منه فى اللغة، فجعل البدعة هى المذمومة فقط، ولم يسم البدع الواجبة والمندوبة والمباحة والمكروهة بدعا كما فعل الإمام العز بن عبد السلام، وإنما اقتصر مفهوم البدعة عنده على المحرمة، وعلى ذلك جماهير الفقهاء، وممن ذهب إلى ذلك الإمام ابن رجب الحنبلى، ويوضح هذا المعنى فيقول فى "جامع العلوم والحكم": [المراد بالبدعة ما أحدث مما لا أصل له فى الشريعة يدل عليه، فأما ما كان له أصل من الشرع يدل عليه، فليس ببدعة شرعا، وإن كان بدعة لغة].

وفى الحقيقة فإن المسلكين اتفقا على حقيقة مفهوم البدعة المذمومة شرعا، وإنما الاختلاف فى المدخل للوصول إلى هذا المفهوم المتفق عليه، وهو أن البدعة المذمومة التى يأثم فاعلها شرعا هى التى ليس لها أصل فى الشريعة يدل عليها، وهى المرادة من قوله صلى الله عليه وآله وسلم فيما أخرجه مسلم فى "صحيحه" عن جابر بن عبد الله رضى الله عنهما: «كل بدعة ضلالة».

وكان على هذا الفهم الواضح الصريح أئمة الفقهاء وعلماء الأمة المتبوعون، فقد روى أبو نعيم فى "الحلية"، والبيهقى فى "مناقب الشافعى” عن الإمام الشافعى رضى الله عنه أنه قال: [المحدثات من الأمور ضربان؛ أحدهما: ما أحدث مما يخالف كتابا أو سنة أو أثرا أو إجماعا، فهذه بدعة الضلالة، والثانى: ما أحدث من الخير لا خلاف فيه لواحد من هذا، فهذه محدثة غير مذمومة] ا.

وقال حجة الإسلام أبو حامد الغزالى رضى الله عنه فى "إحياء علوم الدين": [ليس كل ما أبدع منهيا عنه، بل المنهى عنه بدعة تضاد سنة ثابتة، وترفع أمرا من الشرع] ـ.

وقد نقل الإمام النووى رحمه الله عن سلطان العلماء الإمام عز الدين بن عبد السلام ذلك، فقال فى "الأذكار": [قال الشيخ الإمام المجمع على جلالته وتمكنه من أنواع العلوم وبراعته، أبو محمد عبد العزيز بن عبد السلام رحمه الله ورضى عنه فى آخر كتاب "القواعد": البدعة منقسمة إلى واجبة ومحرمة ومندوبة ومباحة... إلخ] ـ.

وقال فى حديثه عن المصافحة عقب الصلاة: [واعلم أن هذه المصافحة مستحبة عند كل لقاء، وأما ما اعتاده الناس من المصافحة بعد صلاتى الصبح والعصر فلا أصل له فى الشرع على هذا الوجه، ولكن لا بأس به، فإن أصل المصافحة سنة، وكونهم حافظوا عليها فى بعض الأحوال، وفرطوا فيها فى كثير من الأحوال أو أكثرها، لا يخرج ذلك البعض عن كونه من المصافحة التى ورد الشرع بأصلها].

وقال ابن الأثير فى "النهاية فى غريب الحديث": [البدعة بدعتان: بدعة هدى، وبدعة ضلال، فما كان فى خلاف ما أمر الله به ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم فهو فى حيز الذم والإنكار، وما كان واقعا تحت عموم ما ندب إليه وحض عليه الله أو رسوله فهو فى حيز المدح، وما لم يكن له مثال موجود كنوع من الجود والسخاء وفعل الـمعروف فهو من الأفعال المحمودة، ولا يجوز أن يكون ذلك فى خلاف ما ورد الشرع به؛ لأن النبى صلى الله عليه وآله وسلم قد جعل له فى ذلك ثوابا، فقال: «من سن سنة حسنة كان له أجرها وأجر من عمل بها».

وقال فى ضده: «من سن سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها»، وذلك إذا كان فى خلاف ما أمر الله به ورسوله، ومن هذا النوع قول عمر رضى الله عنه: "نعمت البدعة هذه". لما كانت من أفعال الخير وداخلة فى حيز المدح سماها بدعة ومدحها؛ لأن النبى صلى الله عليه وآله وسلم لم يسنها لهم، وإنما صلاها ليالى ثم تركها ولم يحافظ عليها ولا جمع الناس لها، ولا كانت فى زمن أبى بكر، وإنما عمر رضى الله عنه جمع الناس عليها وندبهم إليها، فبهذا سماها بدعة، وهى على الحقيقة سنة؛ لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «عليكم بسنتى وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي»، وقوله: «اقتدوا باللذين من بعدى أبى بكر وعمر»، وعلـى هذا التأويل يحمل الحديث الآخر: «كل محدثة بدعة». إنما يريد ما خالف أصول الشريعة، ولم يوافق السنة] ـ.

وضرب العلماء أمثلة للبدع التى تعتريها الأحكام التكليفية؛ فالبدعة الواجبة: كالاشتغال بعلم النحو الذى يفهم به كلام الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم، وذلك واجب؛ لأنه لا بد منه لحفظ الشريعة، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، والبدعة المحرمة من أمثلتها: مذهب القدرية والجبرية والمرجئة والخوارج، والبدعة المندوبة: مثل إحداث المدارس، وبناء القناطر، ومنها صلاة التراويح جماعة فى المسجد بإمام واحد، والبدعة المكروهة: مثل زخرفة المساجد، وتزويق المصاحف، والبدعة المباحة: مثل المصافحة عقب الصلوات، ومنها التوسع فى اللذيذ من المآكل والمشارب والملابس، واستدلوا لرأيهم فى تقسيم البدعة إلى الأحكام الخمسة بأدلة منها:

أ- قول سيدنا عمر رضى الله عنه فى صلاة التراويح جماعة فى المسجد فى رمضان: "نعمت البدعة هذه"؛ فقد روى البخارى فى "صحيحه" عن التابعى الجليل عبد الرحمن بن عبد القارى أنه قال: [خرجت مع عمر بن الخطاب رضى الله عنه ليلة فى رمضان إلى المسجد، فإذا الناس أوزاع متفرقون، يصلى الرجل لنفسه، ويصلى الرجل فيصلى بصلاته الرهط. فقال عمر: "إنى أرى لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثل"، ثم عزم فجمعهم على أبى بن كعب، ثم خرجت معه ليلة أخرى، والناس يصلون بصلاة قارئهم، قال عمر: "نعم البدعة هذه، والتى ينامون عنها أفضل من التى يقومون" يريد آخر الليل، وكان الناس يقومون أوله].

ب- تسمية ابن عمر رضى الله عنهما صلاة الضحى جماعة فى المسجد بدعة، وهى من الأمور الحسنة، روى البخارى ومسلم فى "صحيحيهما": [عن مجاهد قال: دخلت أنا وعروة بن الزبير المسجد، فإذا عبد الله بن عمر جالس إلى حجرة عائشة، وإذا ناس يصلون فى المسجد صلاة الضحى، فسألناه عن صلاتهم، فقال: "بدعة"].

ومما سبق يتضح أن هناك مسلكين: مسلكا إجماليا: وهو الذى ذهب إليه الإمام ابن رجب الحنبلى وغيره، وهو أن الأفعال التى يثاب المرء عليها ويشرع له فعلها -بعد تحقيق الأصول الشرعية والأدلة المرعية عند الأصوليين- لا تسمى بدعة شرعا وإن صدق عليها الاسم فى اللغة، وهو يقصد أنها لا تسمى بدعة مذمومة شرعا، ومسلكا تفصيليا: وهو ما ذكره الإمام العز بن عبد السلام وأوردناه تفصيلا، والقاسم المشترك بين المسلكين أنه ليس كل محدث فى العبادات أو المعاملات منهيا عنه؛ بل الأمور المحدثة تعتريها الأحكام التكليفية بحسب ما تدل عليه الأصول الشرعية، أما الزعم بأنها محرمة اتكاء على تسميتها بدعة عند بعض العلماء، فغير سديد؛ لأنه يسد باب الاجتهاد المعمول به المستقر بين العلماء، وهذا هو عين البدعة المذمومة التى جاء الشرع بالنهى عنها.