طباعة

الأقباط في عهد حسني مبارك.. عصر المسكنات السياسية الذي ألغاه "السيسي"

الجمعة 04/05/2018 07:51 م

وسيم عفيفي

البابا شنودة و مبارك - البابا تواضروس و السيسي

جلس محمد حسني مبارك على كرسي حكم مصر في ظروف داخلية شديدة التأزم، فقد كانت العلاقة بين الرئاسة وكافة الأوساط في حالة خصومة مع النظام بسبب اعتقالات 5 سبتمبر 1981 م التي طالت الجميع، لكنها تفردت بواقعة لم تحدث طوال العهدين الملكي والجمهوري، وهو اعتقال رأس الكنيسة بعد عزله من منصبه.
 
أفرج محمد حسني مبارك عن كافة المعتقلين السياسيين الذين أمر السادات بسجنهم، واستقبلهم في القصر الجمهوري بعد أيام من توليه الحكم، لم يتم استقبال البابا شنودة مع المعتقلين، بل ظل في دير وادي النطرون حتى العام 1985 م حيث أصدر مبارك قرارًا بإلغاء إجراءات السادات وإعادة البابا شنودة إلى منصبه. 
سياسة الترقب هي التي جعلت مبارك يُرْجئ الإفراج عن البابا فالشارع كان مشحونًا، بالإضافة إلى أن مبارك نفسه لم يكن يعرف ما هي نية شنودة تجاهه، حتى أوضحها الأخير بأن أرسل وفدًا كنيسًا إلى الولايات المتحدة الأمريكية لمنع أي مظاهرة ضد مبارك في زيارته الأولى إلى واشنطن. 
خروج البابا شنودة
خروج البابا شنودة من الإقامة الجبرية
طيلة 30 عامًا نجح مبارك في القضاء على الصدام بين الكنيسة والنظام، لكنه لم ينجح في منع التوتر بين المسلمين والمسيحيين في مصر، حيث وقعت في عهده أكثر من 1500 حادثة هجوم على الأقباط، فكانت إشكالية ملف الأقباط أنه يتم التعامل معه بمبدأ المسكنات السياسية. 

كانت شرائط الكاسيت لرموز الخطابة الإخوانية والسلفية تتكلم عن الأقباط بالتحريض والتكفير دون مصادرة لهذه الشرائط أو اعتقال أصحابها، لكن في نفس الوقت كان مبارك يقوم بترضية الأقباط عن طريق تعيين رموزهم السياسية في مناصب وزارية. 

المناصب الوزارية كانت متاحة للأقباط، لكن المناصب السيادية كانت أشبه بالحلم المستحيل لهم، وبالتالي كان الإسلاميون يلعبون في ملعب مدح مبارك في أنه لم يعطي الأقباط مناصب سيادية حتى لا يكونوا عملاء للغرب مما جعل الأقباط يظهرون الغضب إزاء هذا التمييز.  
سياسة مبارك في مواجهة الإحساس بالتمييز قابلها بمبدأ المسكنات، فجعل يوم 7 يناير عيدًا رسميًا للدولة لكن دون مشاركة منه أو حضور لاحتفالات الأقباط بالكرازة المرقسية في العباسية على عكس حضوره للمناسبات الإسلامية.
 
عمل مبارك في مبدأ "طرفي الأمة"، فوطد العلاقة بين البابا شنودة ومفتي الديار المصرية محمد سيد طنطاوي وظلت هذه العلاقة مستمرة وقوية خاصةً حين تولى طنطاوي منصب شيخ الأزهر، لكن نظام مبارك لم يتعامل مع الكتب التي كانت تحرض على الأقباط وتُبَاع بأبخس الأثمان على الأرصفة حيث لم يتم مصادرتها.

السياسة الفكرية التي انتهجها مبارك هي عدم مصادرة الكتب، لكن في نفس الوقت إعطاء الضوء الأخضر لتسليط الإعلام على ما يخص الأقباط فكان فيلم "رحلة العائلة المقدسة" طقسًا سنويًا في الإعلام مما يعطي رسالة أن الأقباط لهم فكر يجب أن يُنْظَر له.

لم يبرز أي دور سياسي للكنيسة في عهد مبارك، لكن الشيء الأبرز في ملف الأقباط طوال حكمه هو احترام الرئيس والبابا لبعضهما، فهما في الأصل من مؤسسة واحدة وهي الجيش الذي اعتاد على احترام القادة، وفي نفس الوقت كان الرئيس والبابا يجمعهما مبدأ واحد وهو أن مصر لا تخضع ولن تخضع للتقسيم الطائفي، مما جعل البابا يقول عن اقتناع وصدق "مصر ليست وطنا نعيش فيه لكنها وطن يعيش فينا". 

انتهى حكم مبارك وكان البابا شنودة في منصبه واستمرت الكنيسة على نهجها لكن في مرحلة تاريخية سيئة بسبب هذه المسكنات، فطوال حكم المجلس العسكري كان الجميع يحفز الكنيسة ضد الدولة بعد أحداث ماسبيرو لدرجة أن الإعلام الرسمي نفسه حفز المسلمين على إنقاذ الجيش من المسيحيين في كلام الإعلامية رشا مجدي.
 

ومع حكم الإخوان ظهرت آثار المسكنات السياسية التي فعلها مبارك، حيث وصل التحريض على الأقباط عن طريق قنوات الإعلام المختلفة، مما سبب يأسًا شديدًا بالنسبة للأقباط والبابا الجديد تواضروس الثاني.
الرئيس جمال عبد الناصر
الرئيس جمال عبد الناصر والبابا كيرلس
كانت أقصى طموحات الأقباط أن تكون العلاقة مع الرئيس مبارك ومن بعده، مثل علاقة جمال عبدالناصر بالبابا كيرلس، لكن المسكنات جعلتهم يفقدون الأمل حتى تحقق ذلك بما لا يتخيلوه مع الرئيس عبدالفتاح السيسي والذي غير نمط تعامل الدولة مع الأقباط.

بالنسبة للأقباط تاريخيًا فإن السيسي فاق عبد الناصر، فهو الرئيس الوحيد الذي يزور الكنيسة سنويًا، كما أنه نجح في إنهاء حالة التحريض الإعلامي عليهم، بالإضافة إلى الود الواضح والمعلن بين الكنيسة وقصر الرئاسة عن طريق إصدار القوانين التي تنظم دور العبادة وبناء الكنائس، وهو الود الذي يختلف كثيرًا مع طريقة مبارك، حيث أنه طبقًا لدراسة المؤرخ أحمد زكي بعنوان "البابا شنودة.. أربعون عاما بين الاصطدام والاحتواء"، اتسمت العلاقة بين الرئيس والبابا بمبدأ "الحلف السياسي الوطني"، لكن هذه المسألة اختلفت جذريًا في عهد السيسي وسارت على مبدأ "الوحدة الوطنية المجردة من خطب إنشائية يقولها الرئيس أو يرد عليها البابا".