إذا حاولت أن تعود بالذاكرة إلى الوراء 20 عاما تقريبا، فلا تتذكر سوى بعض الكلمات الرنانة التي مرت على أذنك مثل " كابوس.. دمار.. إهمال.. غرق"، تلك الكلمات هي ملخص ما حدث فى قرية السرارية التابعة لمركز سمالوط أقصى شمال المنيا، والذي تسبب فيه الظروف المناخية والطبيعية التي تقع أسفل الجبل بجانب قربها الشديد من مجرى النهر، تلك القرية زارتها السيول فدمرتها تماما.
"موتى غرقوا وأبناء تيتموا وزراعات عامت على بحيرات من المياه ومنازل هدمت"، كابوس زار أهالى القرية فى أحلامهم، ذاك تماما ما حدث فى مدافن ملوي منذ 10 أعوام، عندما هطلت الأمطار على القبور فـ"عام الموتى".
دير جبل الطير.. أول المنذرين بالغرق:
على بعد 5 كيلو مترات من الضفة الشرقية لنهر النيل بمركز سمالوط يقع "دير جبل الطير"، الذي شهد رحلة هروب العائلة المقدسة لـ "مصر"، واختبأت فيه 3 أيام، ويزوره ما يقرب من 3 ملايين زائر من جميع أنحاء محافظات مصر سنويا، مسلمًا كان أو قبطيًا، فقربه لنهر النيل وتواجده وسط تلال كثيرة من الجبال وكثبان الرمال الكثيفة تجعلة الملاذ الأول للسيول حينما تطرأ على تلك المنطقة، ذات الطابع الأثرى القديم، فى ظل انعدام الاستعدادت اللازمة من قبل الوحدة المحلية بالمركز، فوجود مبانيها فوق صخرة جيرية تجعلها تتحلل بمياه النيل ورى الأراضى الزراعية، فما بالك إذا هطلت السيول على تلك المنطقة التى يتردد عليها ملايين المواطنين سنويًا على القرية للاحتفال برحلة العائلة المقدسة.
زوال المناطق الأثرية:
عندما تأتى السيول لا ترحم الأخضر ولا اليابس، ولا تفرق بين حضارة الدول وتاريخ الأجداد، ولا تهتم لا لقبور الصحابة المسلمين أو بين المناطق القبطية التاريخية، فالسيول لا تفرق معها المسميات، والعديد من المناطق الأثرية المعرضة للعوامل الطبيعية مهددة بالغرق، ففى مركز ديرمواس تجد قرية تل العمارنة التي تحمل بداخلها بقايا العاصمة القديمة الموجودة حتى الآن، التابعة للملك توت عنخ آمون، والكائنة وسط الصحراء، والتى ستحصل على النصيب الأكبر من الخسائر في حال هطول السيول، فأهلها يخشون فصل الشتاء لقربهم من مخرات السيول التى لم يتم تطهيرها أو صيانتها إلا بعد وقوع الكارثة، ومعظم المنازل التى تنذر بخطر وتدمير تقع أسفل الجبل مباشرة.وفى مركز ملوى تجد قرية "الشيخ عبادة"، الكائن بها معبد رمسيس الثاني والمعبد الفرعوني، وهو على طراز معابد الأقصر، وبيت ماريا القبطية زوجة الرسول صلى الله عليه وسلم، ومعالم أثرية أخرى ترجع إلى جميع العصور، وكل تلك المواقع الأثرية معرضة للانهيار، لكونها مناطق جبلية معرضة في أي وقت لاجتياح مياه السيول لها.
أما فى مركز أبو قرقاص، تجد قرية "بنى حسن الشروق"، التى تمتلك آثار الدولة الوسطى، وبالتحديد من عصر الأسر 11 و12، أي حوالي 180ق.م، ما يعني أن عمر هذه المقابر حوالي 4000 سنة وعددهم 40 مقبرة، وأهم هذه المقابر هي “مقبرة خيتي، ومقبرة باكت الثالث، ومقبرة خنوم حتب الثاني، تلك المقابر الكائنة وسط طبيعة جبلية.