طباعة

"أوربان" صانع فتنة "الحملات الصليبية" على القدس

السبت 02/06/2018 02:02 ص

وسيم عفيفي

أوربان الثاني

تدهورت الأحوال السياسية والاقتصادية والاجتماعية في البلاد الإسلامية في القرن الخامس هجري المقابل للقرن الحادي عشر ميلادي، وذلك بسبب الخلافات والانقسامات بين أمراء المسلمين على السلطة مما أدى إلى ضعف الجبهة الإسلامية.

لم يبد أمراء المسلمين أمام الوضع القائم أية محاولة لإنهاء تلك الخلافات والعمل على توحيد الجبهة الإسلامية لمواجهة الغزو الفرنجي الذي بدأ يهددهم في عقر دارهم، إذ بدأت تظهر في أوروبا فكرة الحروب الصليبية وتنفيذها بإرسال حملات إلى الديار الإسلامية لغزوها. 
البابا أوربان الثاني .. الأب الروحي للحملات الصليبية
البابا أوربان الثاني
البابا أوربان الثاني
بدأت فكرة الحروب الصليبية تظهر بعد المجمع الذي عقد في 488ﻫ الموافق 1095م في مدينة كليرمونت في جنوب فرنسا برئاسة البابا أوربان الثاني، ونوقشت فيه قضايا تتعلق بالكنيسة الكاثوليكية في أوروبا وإصلاحها، وأحوال الغرب الاجتماعية، ولم يكن هذا الاستعراض إلا مقدمة لحديثه عن وضع المسيحيين وأماكنهم الدينية في الديار الإسلامية، إذ جعل بيت المقدس وأراضي فلسطين، التي شهدت ميلاد المسيح محور خطابه، فأثار شجون سامعيه وحثهم على حمل السلاح لتحرير القبر المقدس والمسيحيين الشرقيين من أيدي المسلمين.
أوربان يدعو للحروب
أوربان يدعو للحروب الصليبية
ويبدو واضحاً من خطبة البابا أوربان الثاني أنه كان على يقين بوضع أوروبا والشرق الإسلامي معا، إذ كان النظام الإقطاعي بمساوئه من زيادة في الضرائب، وتراكم الديون على عاتق الفلاحين هو السائد في أوروبا، ولذلك بدأ يثير شجون وعواطف أبناء أوروبا الأغنياء والفقراء على حد سواء تجاه إخوانهم في الشرق داعيا لنجدتهم، واضعا مجموعة من الامتيازات والاغراءات المادية والمعنوية لمن يستجيب لدعوته ويساهم بالمشاركة في الحروب الصليبية التي دعا إليها، وقال بأن من يلق مصرعه في سبيل تحقيق هدفه يعد من شهداء المسيحية، ويتحلل من ذنوبه ويغفر الله جميع خطاياه.
تمثال أوربان الثاني
تمثال أوربان الثاني
وكان كل ما ذكره البابا أوربان الثاني مغريات في عصر سادته ظاهرة الهوس والعاطفة الدينية ناهيك عما فعله البابا على إثارة مطامع سامعيه من مغريات اقتصادية بالإضافة إلى ثروات الشرق الإسلامي موضحا أن الأرض في الغرب الأوروبي ضاقت بسكانها محرضا إياهم على الذهاب إلى أرض كنعان التي تفيض لبنا وعسلا، ضامنا لهم توفير الحماية لعائلاتهم وممتلكاتهم وإسقاط الديون عن كاهلهم في الغرب ووصلت القوات الفرنجية أمام أسوار القدس في 17 من يوليو عام 1099م، الثلاثاء، 15 من رجب عام 492ﻫ ، وبدأ الصليبيون بفرض حصار على المدينة.
بدء الحملات الصليبية رسمياً على القدس
حملة الفقراء - أولى
حملة الفقراء - أولى حملات الصليبيين
شدد الفرنجة في حصار المدينة، حتى نجحوا في النهاية من دخولها يوم الجمعة، 15 من يوليو عام 1099م الموافق الثالث والعشرين من شعبان عام 492ﻫ وكان قد اتخذ المسلمون التدابير اللازمة للدفاع عن المدينة قبيل وصول الفرنجة، فقاموا بردم وإفساد مصادر المياه القريبة من المدينة لمنع العدو من استخدامها والانتفاع بها وأخفوا الماشية والقطعان في الكهوف والمغاور.
ريمون تولوز - دوق
ريمون تولوز - دوق إقليم الناربون الذي تسلم القدس من افتخار الدولة
قام افتخار الدولة حاكم المدينة الفاطمي بتقوية تحصينات المدينة، معتمداً على قوة كبيرة من الجنود المصريين والسودانيين، المسلحين تسليحا جيدا، وأهالي مدينة القدس، كما قام بطرد المسيحيين الشرقيين من المدينة خوفا من قيامهم بمساعدة الفرنجة، وقد قاوم سكان القدس ضد الصليبيين بكل الوسائل، إذ عملوا على تصنيع الآلات الحربية، حيث وجدت مجموعة كبيرة من العمال المهرة، ومواد الخام اللازمة لصناعة الآلات.
الصليبيين في القدس
الصليبيين في القدس
بعد أن صنع المسلمون الآلات الحربية، بدأوا يقذفون كتلا مشتعلة غمست في الزيت والشحم على الجنود الصليبيين وأبراجهم التي صنعوها من أجل الوصول إلى الأسوار، والدخول إلى المدينة، دخلت مجموعة من المسلمين المحاصرين في داخل المدينة الحصار، وخرجت من بعض نواحي المدينة التي لم تكن تحاصرها القوات الصليبية، وتعمل من خلفهم عن طريق مهاجمة جنودهم الذين كانوا يتجولون في المناطق الريفية المجاورة للمدينة، بحثا عن الطعام والعلف الضروري للخيول، وكانت هجمات هذه المجموعات ناجحة إلى أبعد الحدود، إذ أنها أتسفر عن مقتل وجرح العديد من جنود الصليبيين وفرسانهم. 

كانت بعض هذه المجموعات تختبيء بالقرب من الينابيع والآبار، وتهاجم من تجده من الفرنجة، الأمر الذي كان يؤدي إلى قتل العديد من الجنود الفرنجة، وسعى المسلمون إلى معرفة ما يدور داخل المعسكر الفرنجي، فأرسلوا العيون إلى معسكراتهم ليحصلوا على المعلومات عن العدو الصليبي، بينما السكان المقدسيون يكسرون الحصار، ويدخلون إلى القدس من خلال الجهات التي لم تكن محاصرة، وكانوا ينضمون مباشرة إلى الدفاع عن المدينة، حيث أسهموا في تعزيز صمود سكانها والقوات المدافعة عنها. 
استيلاء الصليبيين على بيت المقدس
صليب الصلبوت في بيت
صليب الصلبوت في بيت المقدس
بالرغم من كل الإجراءات والتدابير التي نفذها المدافعون عن القدس، وسكان الريف المجاورة، فإن المدينة سقطت بيد الفرنجة في يوم الجمعة الموافق الثالث والعشرين من شعبان عام 492ﻫ الموافق الخامس عشر من شهر يوليو عام 1099م وقد اقترف الفرنجة مذبحة رهيبة مروعة ذهب ضحيتها سكان المدينة ومن حضر للدفاع عنها من المناطق المجاورة.

ويذكر المؤرخون الصليبيون المعاصرون أن عدد القتلى في ساحة المسجد الأقصى بلغ عشرة آلاف قتيل، ويضيف وليم الصوري لى هذا العدد "القتلى الذين تناثرت جثثهم في كل شوارع المدينة وميادينها لم يكونوا أقل عددا مما تم ذكره".