رمز من رموز جيل الطقطوقة والموشح، ورائد تلحين القصيدة المُغناة، ومبتكر أول تخت موسيقي حديث، إنه أستاذ الأساتذة الشيخ "أبوالعلا محمد"، الذي يُعد أول صانع للنجوم في عالم الموسيقى الشرقية.
البداية من الموالد واحتفالات الطهور
منذ نعومة أظافره كان الصبي أبو العلا يهوى قراءة وحفظ القرآن الكريم واستغرقه الحفظ والتجويد وقاده هذا في شبابه إلى أن يرتاد كل مدارس التجويد وينهل منها، وبدأ طريقه كمُنشد وقارئ للقراَن، ومن ثمّ مُنح لقب الشّيخ.
مال الشيخ أبوالعلا بعد ذلك إلى عالم الفنّ فصار ينشد قصائد المديح النبوي، والتواشيح الدينية بمصاحبة بطانة من المقرئين أو عازفي الآلات الموسيقية الذين يطلقون عليها اسم «التخت»، وكان كثيرًا ما يحيي «الموالد»، وبدأت شهرته تتجاوز حدود حي الناصرية، وبدأ نشاطه في مناسبات «سبوع الأطفال وطهورهم» والمناسبات الدينية مثل المولد النبوي وليالي شهر رمضان في بيوت أسر الحي ومما يروى عنه في تلك الفترة أنه كان صبيًا عندما أحيا «سبوع» الشاعر أحمد رامي.
التخلي عن الإنشاد الديني
إتجه بعد ذلك للغناء، وقد سجّل إسطواناته الأولى في يناير 1912م، لشركة جراموفون ثمّ لعدد من الشركات الأخرى، مثل ميشيان خلال سنوات الحرب وبيضافون سنة 1920م، وبوليفون سنة 1924م، كانت تلك التسجيلات أول محاولة للخروج بالموسيقى الفصحى من المجالس الخديوية الخاصة لتنتشر بين الجمهور في القاهرة والمحافظات، مؤسسة فيما بعد الملمح الأساسي للموسيقى المصرية في القرن العشرين، وقد تخلى أبو العلا عن الغناء الديني كالإنشاد وتجويد القراَن، واتّخذ لنفسه تختًا من أكبر عازفي ذلك الوقت، ولم يكن أبو العلا يتدرب على الألحان الّتي يسجّلها ، فكان يطلب من أفراد التّخت أن يعزفوا مقدمة من مقام مُعين تاركًا العنان لبديهته، وكانوا يسألونه: " ماذا سُتغني اليوم يا شيخ ؟"، فيجيبهم: " اللّي يجود بيه علينا ربنا".
أبوالعلا يصطاد في ماء زكريا أحمد العكرة
لعب الشيخ " أبو العلا محمد " دورًا مهمًا للغاية للإرتقاء بمستوى اللفظ واللحن في مواجهة الإنحدار الذي ساد الأغنية في حقبة العشرينات والتي أصبحت تخاطب الغرائز بكلمات منحدرة المستوى، وقد سبح مع هذا التيار كبار الموسيقيين والفنانين في ذلك الوقت مثل الشيخ " زكريا أحمد" الذي قام بتلحين أغنية شاعت في ذلك الوقت تقول كلماتها: " إرخي الستارة اللي في ريحنا.. أحسن جيراننا تجرحنا"، وهي الأغنية التي أثارت الأزهر ورجال الدين وقادوا حملات الإنتقاد ضد زكريا أحمد واتهموه أن أغنيته تُعد دعوة مباشرة للدعارة والإنحلال والسقوط بالمجتمع إلى هوة لا أخلاقية.
وأمام هذه الموجة أُتيحت الفرصة أمام الشيخ أبو العلا محمد الذي كان يلقبه الملحنين في عصره بـ "عمدة الغناء" في أن يعثر على فرسين عظيمين للرهان، وهما أم كلثوم وعبد الوهاب ليُحدث الهزة التي غيرت مسار الأغنية وقضت على تيار الانحدار فيها.