طباعة

"خيانة الأمراء المسلمين" هكذا نجحت الحملة الصليبية الأولى

الثلاثاء 26/06/2018 01:31 م

وسيم عفيفي

في السادس والعشرين من يونيو لعام 1096 م، بدأت أحداث الحملة الصليبية الأولى التي شنها الصليبيين تلبية للدعوة التي أطلقها البابا أوربان الثاني سنة 1095م في كليرمونت جنوب فرنسا من أجل تخليص القدس وعموم الأراضي المقدسة من أيدي المسلمين وإرجاعها للسيطرة المسيحية.
شارك في الحملة عدد من القادة أبرزهم جودفري دوق اللورين، وريموند دوق الناربون، وبوهيموند كونت تورانتو، وروبرت دوق النورماندي وروبرت الثاني كونت فلاندر وهيو كونت فرماندوا.
من رسومات الحملة
من رسومات الحملة الصليبية الأولى
افترق أمراء الحملة الأولى في 4 طرق واجتمعوا في القسطنطينية عام 1097 عاصمة الإمبراطورية البيزنطية، وواصلوا زحفهم حتى وصلوا إلى القدس في صيف عام 1099 واستولوا عليها في يوليو من عام 1099م بعد حصار استمر أكثر من أربعين يوماً، استطاع الصليبيون تأسيس مملكة بيت المقدس وغيرها من الممالك الصليبية، ورغم أن هذه المكاسب دامت أقل من قرنين، فإن الحملة الصليبية الأولى تعد نقطة تحول رئيسية في توسع القوى الغربية، ومؤشراً على فتور التفوق في العالم الإسلامي نتيجة انقساماته.
من رسومات الحملة
من رسومات الحملة الصليبية الأولى
حللت المؤرخة أمنية البيطار أسباب نجاح الصليبيين في تحقيق أهدافهم من خلال أسباب متعددة مبنية على ذكر مُجريات الأحداث.
وكان أول سبب هو خيانة بعض العناصر الذين خشوا هزيمة الأتراك السلاجقة، حكامهم المدافعين عن بعض المدن، ورأوا في الاتصال بالصليبيين ومساعدتهم الطريق الأسلم لتحقيق مصلحة خاصة، ومن الأمثلة على ذلك ما فعله أحد المستحفَظين على أبراج مدينة أنطاكية والمعروف في بعض المصادر باسم فيروزوروزبه في مصادر أخرى وهو تركي في مصادر وأرمني في أخرى. 
وعلى الرغم من الخلاف حول اسمه وجنسه فما يهمنا أنه لعب دوراً في تسليم مدينة أنطاكية لبوهيموند بعد أن توثّقت عُرى الصداقة بينهما، وراح بوهيموند يُغريه بالشَّرف العظيم والثروة الوافرة التي يحققها له إذا تعاون معه. فوثِق فيروز بتلك الأقوال والعهود ووعده بتسليمه الأبراج الثلاثة التي يحرسها عن طيب خاطر، يوم يشاء مع الترحيب، وهناك أمثلة متعددة، منها خيانة بعض أهالي مدينة حارم وتواطؤهم مع الصليبيين، وإخبارهم بوصول مساعدة لأنطاكية، مما ساعد الصليبيين على القضاء عليها قبل وصولها، وفسح المجال أمامهم باحتلال حارم، وحرمت بذلك مدينة أنطاكية المحاصرة، من مساعدة جيش رضوان بن تتش صاحب حلب، وكذلك ظهرت خيانة البعض مما أدّى إلى تسليم مدينة الرّها وغيرها كثير.
من رسومات الحملة
من رسومات الحملة الصليبية الأولى
أهم ثاني الأسباب كان استهتار العناصر المسؤولة عن الدفاع عن المنطقة بالقوى المهاجمة، وعدم تقديرها لقوة أعدائها، فقد سخر الترك من الفرنجة ومن أسلحتهم حتى بعد أن حقق هؤلاء جزءاً من أهدافهم بتأسيس إمارتي الرّها وأنطاكية، وظهر ذلك واضحاً حين جاءت بعض العناصر من أنطاكية إلى القائد التركي كربوغا – الذي خرج لقتال الصليبيين إثر احتلال أنطاكية – بسيف رخيص قد علاه الصدأ وقوس مسْودّ، وحربة لم تعد صالحة للاستعمال، كانوا قد أخذوها من جماعة من الحجاج الفقراء، وقالوا له هذه هي الأسلحة التي يحملها الفرنجة في محاربتهم إيّانا، فسخر كربوغا منهم ومنها وقد بدا ذلك واضحاً في رسالته التي كتبها إلى الخليفة العباسي، وإلى السلطان السلجوقي وغيرهما، والتي يوضح فيها أنه سيصل بقواته حتى بلغاريا وإقليم أبوليا.

وساعد اهتمام أُمراء المدن بالمطامع الشخصية وتفضيلها على المصالح العامة، والمساومات التي كانت تقوم بين الأطراف المعنية على نجاح الحملة الصليبية الأولى، ففي حين كان الصليبيون يحاصرون أنطاكية، أرسل الفاطميون وفداً إليها قابل قادة الصليبيين يسألهم ترك يدهم حرة في فلسطين لاستعادة بيت المقدس، مقابل ترك الصليبيين أحراراً في بقية المناطق. وعاد الوفد ظانًّا أنه حقق نصراً على حساب أهله وأقاربه، ولم يدرِ بأن مطامع الصليبيين تمتد إلى بيت المقدس وفلسطين بكاملها، وإلى مصر أيضاً، وهذا ما اتّضح بعد فترة قصيرة حين توجّه الصليبيون لاحتلال بيت المقدس، وبعدها أخذ الفاطميون في إرسال الجيوش المتتابعة لاستعادة ما احتلَّه الصليبيون من مناطق ففشلوا.
من رسومات الحملة
من رسومات الحملة الصليبية الأولى
والغريب في موقف الأمراء أن بعضهم استنجد بالصليبيين ضد القوى الأخرى منذ الفترة الأولى. فقد استنجد الأمير نور الدولة بلك بن بهرام بن ارتق ببلدوين صاحب الرّها على أن يؤجِّر له رجاله لاسترجاع سروج إلى طاعته فرحَّب بلدوين بهذا الاستنجاد، واستغل الفرصة لصالحه، فاحتل سروج وأتبعها بإمارته في الرّها، في ربيع الأول سنة 494هـ الموافق يناير 1101م، ووضع فيها حامية صليبية بقيادة المؤرخ فوشيه دي شاتر

وبلغ استغلال الفِرقة السائدة بين القوى الإسلامية، سياسياً ودينياً، أوجه حين اتصل الصليبيون بالفاطميين في مصر اتصالاً ودياً، حالما ضاقت بهم الأمور أمام أبواب مدينة أنطاكية، وأرسل الفاطميون سفارةً للتفاوض معهم، وقيل إن الأمبراطور ألكسيوس كومينين كان قد أشار على الصليبيين منذ أن بلغوا القسطنطينية بضرورة الاتصال الودي بالفاطميين وذلك لزيادة الهوّة بين الحكومات العربية والاسلامية بالعزف على وتر المذاهب الدينية.