طباعة

"محمد يونس القاضي".. مؤلف النشيد الوطني.. غاب اسمه وعاشت كلماته

الثلاثاء 03/07/2018 11:34 ص

مريم مرتضى

محمد يونس القاضي

تعيش كلماته باقية ويتم ترديدها يوميًا، حيث نستمع إلى كلمات نشيد "بلادي بلادي" في المدارس والمؤسسات وعلى التليفزيون المصري والإذاعة، ولكن مؤلفها شخصيًا عانى من نسيان الناس له، وعاش في أواخر عمره على أطلال ماضيه، إنه الشيخ "محمد يونس القاضي" الذي قال في أخر حديث له "أنا أعيش فى ضياع، أريد أن تمر أيامي بسرعة، أعيش الآن تائهًا، صرفت كل ما أملك على الأدوية والعلاج، الخوف من الأيام يطاردنى، إن آلامى من الناس فاقت كل ما تجمع فى جسدى من آلام" وذلك بعد أن أقعده المرض والفقر والنسيان. 


ميلاده ونشأته
وُلد "يونس" في 1 يوليو عام ١٨٨٨م فى حي الدرب الأحمر بالقاهرة، وانتقلت أسرته المكونة من ٩ أطفال وأم وأب يعمل فى القضاء إلى مركز أبو قرقاص فى المنيا، والتحق بمدرسة الشيخ محمود عمرو، وكان والده يُقيم ندوة أدبية كل يوم جمعة بعد الظهر يحضرها وجهاء المحافظة، يتبادلون فيها الشعر والزجل، وكان يمتلك مكتبة تضم آلاف الكتب، وكان يونس يجلس فى الندوة ويسجلها كسكرتير، ومن هنا بدأت هوايته للشعر والأدب.

محمد يونس القاضي
محمد يونس القاضي


الخطوات الأولى للصحافة
وفي عام 1900م، انتقلت أسرته إلى محافظة أسيوط، حيث مسقط رأس والده في قرية النخيلة بمركز أبوتيج، وهناك استكمل القاضي تعليمه الأساسي، الذي ما أن أتمه حتى سافر وحده إلى القاهرة ليلتحق بالأزهر، وحاول منذ أيامه الأولى الوصول إلى الصحافة، وذهب للقاء الزعيم مصطفى كامل في الحزب الوطنى وقدم له أول مقالاته التى نشرت فى جريدة المؤيد، ليتولى يونس بعدها تبسيط خطب مصطفى كامل فى العديد من الصحف، كما شارك فى تأسيس ١٤ جمعية لتعليم فنون الخطابة، ونشط سياسيًا فى الأزهر، وشارك فى ثورته الأولى عامي ١٩٠٨م و١٩٠٩م.


اعتقاله عدة مرات
خلال الفترة بين عامى 1905م و1942م، كتب يونس آلاف المقالات الصحفية، وما يزيد على ألفى دور وطقطوقة وموشح، سجل أغلبها على أسطوانات بأصوات كبار مطربى ذلك العصر، مثل: "منيرة المهدية" و"زكى مراد" و"عبداللطيف البنا"، إلى جانب أعماله المسرحية التي تعدت ٥٨ مسرحية غنائية اجتماعية وفكاهية، ذات محتوى سياسى، كانت تؤدى فى الكثير من الأحيان إلى خروج الجمهور فى مظاهرة ضد الإنجليز بعد العرض، ووصل الأمر إلى أن أوقف الإنجليز عرض مسرحيته "كلها يومين" ١٧ مرة، لأنها تحمل عبارات عنيفة ضد بريطانيا، كما تم اعتقاله ١٩ مرة.

محمد يونس القاضي
محمد يونس القاضي


حكاية أغنية أهو ده اللي صار

كانت بداية علاقة الشيخ محمد يونس بسيد درويش بداية لمرحلة جديدة فى حياة كل منهما، فقد قدما أجمل الأغنيات الوطنية والعاطفية، مثل "زورونى كل سنة مرة"، و"أنا هويت وانتهيت"، و"أهو ده اللى صار"، ولهذه الأغنية حكاية وسبب فى تأليفها، فقد اعتقل الإنجليز ذات مرة الشيخ فقابله نجيب باشا وكيل الداخلية، وأمسكه من جبته وقفطانه، وقال له: "بدل ما تقول الكلام الفارغ ده دوّر الأول إزاى تصنع جبة وقفطان فى بلدك"، فكتب الشيخ: "مالكش حق تلوم عليّا، وخير بلادنا ماهوش فى إيدنا، وبعدها لوم عليّا، إيدك فى إيدى نقوم نجاهد، والأيادى تكون قوية، سعدك أصيل والخصم عايب دولا أنصار القضية". 



أغنية يابلح زغلول
حين منع الإنجليز ذكر اسم سعد زغلول ورفاقه، كتب الشيخ محمد يونس القاضى أغنية "يا بلح زغلول"، ليغنيها الفلاحون في موسم حصاد البلح، وتحايل على القانون، فراح يذكر كلمة سعد وزغلول فى كل أغنية ومسرحية يكتبها.


أول رقيب على المصنفات الفنية
تم تعيين الشيخ محمد يونس القاضي كـ رقيب على المصنفات الفنية وكان هو أول من تولى ذلك المنصب، الذي طُلب منه كخدمة لأحد أصدقائه فى جهاز الداخلية، وكانت مهمته تقتصر على منح التصاريح لإجازة الأعمال الفنية، وقام القاضي بتنقية الأغنية المصرية من كثير من الأعمال الرديئة، حتى أنه منع طقاطيق كان هو شخصيًا كتبها لمنيرة المهدية، وزكريا أحمد.
وثيقة إثبات كلمات
وثيقة إثبات كلمات نشيد بلادي لـ القاضي


وفاته

في عام 1969م، توفى المبدع "محمد يونس القاضي"، بعد معاناة طويلة من المرض، ولكن رحيل جسده، لم يمنع كلماته من أن تبقى حية في قلوبنا حتى اليوم، رددها جيل بعد جيل، ومطرب بعد مطرب، فظل القاضي حاضرًا كلمة وأغنية، وغائبًا اسمًا وحقًا.