طباعة

مأساة "عبداللطيف البغدادي" طبيب مشهور فُقِد تراثه في ظروف غامضة

الإثنين 30/07/2018 02:13 ص

وسيم عفيفي

غلاف كتاب البغدادي

قليل جداً في عصر النهضة الذي اتسمت به الدولة العباسية، أن تجد عربياً عالماً مثل علماء فارس، ونادر أيضاً أن تجد أحداً مثل عبداللطيف البغدادي الذي تخصص في الطب، وجمع علوماً غيره مثل اللغة والرياضة والحديث والتاريخ والفلسفة وعلم النفس والأدب.
في بغداد وبمنتصف عهد الدولة العباسية، ولد عبداللطيف البغدادي، المشهور بـ بن اللباد لأسرة اتسمت بالعلم حيث كان والده عالماً في الحديث والقراءات، وكذلك عمه في الفقه، واتسم البغدادي بسرعة الحفظ والاشتغال بالعلم، فأخذ من شيوخ بغداد وخرسان والشام.
عند وصوله لسن الثامنة والعشرين رحل إلى الموصل والتقى بكمال الدين بن يونس، والذي ساهم في مساعدة البغدادي مالياً ومعنوياً حتى صار صاحب مكانة متميزة عند الملوك والأمراء والفقراء.
بدأ التميز الحقيقي لـ عبداللطيف البغدادي، حين سافر إلى دمشق، حيث أحدث طفرة طبية في بلاد الشام جعله معلماً لكبار الطب لاحقاً في سوريا مثل رشيد الدين الصوري عالم الصيدلة.
وكتب في دمشق كتباً كثيرة، ثم سافر إلى مصر وأقام بمسجد الحاجب لؤلؤ، وعقدت ندوات طبية مع ياسين السيميائي وموسى بن ميمون.
‏في فترة وجوده بمصر، ألف عبداللطيف البغدادي كتاباً سماه "الإفادة والاعتِبار في الأمور المشاهَدة والحوادث المعايَنة بمصر"، ذكر فيه أشياء شاهَدها أو سمعها أو عايَنها، ثم سافر إلى القدس ورجع إلى دمشق والتزم في المدرسة العزيزة بالتدريس والتأليف.
بلغت مؤلفات عبداللطيف البغدادي 170 كتاب في الطب وأصول الدين والتاريخ والحيوان والنبات، وفي ظروف غامضة اختفى 114 كتاب، وربما السبب في الاختفاء المريب لمؤلفاته هو عدم اعتماده على النسخ واكتفاءه بالتأليف والإيداع عند مكتبات أي دولة ينزل فيها.
‏ولِموفَّق الدِّين عبداللطيف البغدادي كتُب كثيرة، ذكَر ابن أبي أصيبعة أنها بلغت نحو سبعين كتابًا ومائة مقالة في أصول الدِّين واللغة والفلسفة والتاريخ والطبِّ والحيوان والنبات.
‏ويبدو أن أبرز ما يشار إليه في إنجازات عبداللطيف البغدادي، كلامه المبكر عن دار السكر، حيث قال عن علامات السكر "استِرسال البول - أي: كثرة التبوُّل - تُرافِقها علامة ثانية العطش الشديد الذي لا يَرويه الماء، نتيجةً لكثرة التبوُّل وطرح الماء، فالماء في هذه العلَّة يَخرج ويَنفذ مِن الكلية كما يَرِد إليها دون أن يُفيد الجسم منه شيئًا، ‏"ولذلك تسمى هذه العِلَّة ديابيطا، ومعناها: عبارة الماء".
تخصص البغدادي في الكتابة عن مرض السكر، جعله ينتقد بن سينا في أطروحاته المتعلقة بالعلاج، حيث قال عن بن سينا "إنه ليس مِن أرباب التجارب، ولا يوثَق به في ذلك، وأما قياسه فساذج، والقياس الساذج في صناعة الطب مَطروح، وهو موقوف على التجربة، فإن صحَّحته وصدقته قُبل، ‏وإلا رُدَّ واطُّرح".