طباعة

في ذكرى البابا شنودة "خفايا وأسرار" للجالس على كرسي مارمرقس

الجمعة 03/08/2018 05:03 م

أحمد عبد الرحمن

شيخ الأزهر أحمد الطيب في زيارة للبابا شنودة

عاش البابا شنودة الثالث بطريرك الكرازة المرقسية الراحل، ولم يوما مشعلا للأزمات، أو محرضا على التمرد ضد الدولة أو قياداتها، كما ادعت حكومة السادات، بل دوما كانت كل مواقفه نحو الدولة تتسم بالحكمة وحسن التصرف، ولمسنا ذلك بوضوح في معالجة البابا لمسألة الفتن الطائفية والهجمات التي كانت تستهدف الأقباط وكنائسهم.

أتخذ البابا نهجها في إقامة موائد الوحدة الوطنية في شهر رمضان تحت أسم موائد العائلة المصرية.
وعندما عرض علية أحد الأقباط بإنشاء حزب مسيحي سياسي يكون أعضاؤه على أساس ديني وأتي ذلك في ظل انتشار الأحزاب السياسة ذات الهوية الإسلامية، ولذا وجهت إليه اتهامات بكونه مسالما أو مستسلما، ولكن لم تؤثر علية هذه الاتهامات، أو تغير من تصرفاته تجاه الدولة المصرية.

كان موقف البابا شنودة الثالث واضح من معاهدة السلام كامب ديفيد التي وقع عليها الرئيس السادات، والتي أصرت ألا تقتصر المعاهدة على السلام وإنهاء حالة الحرب بين البلدين مقابل انسحاب إسرائيل من سيناء، بل وتمتد للتطبيع الكامل وتبادل الزيارات بين مواطني البلدين.

أعلن البابا رافضه لمعاهدة السلام، وأمتنع عن الذهاب مع الرئيس في زيارته إلى إسرائيل إلا ويده في يد شيخ الأزهر عام 1977، وبعد أن تتحرر المدينة من الاحتلال، وأنه سيأمر الأقباط بعدم الذهاب للقدس في ظل الاحتلال، وهو ما أغضب الرئيس وبشدة واعتبر هذا الموقف تدخلا من البابا في شأن سياسي ليس من اختصاصه، فأراد السادات الانتقام وأصدر عدة قرارات كان من بينها تحديد إقامة البابا وسحب التصديق على قرار تعيينه كبابا للكنيسة المصرية.

وبالنسبة إلى القضية الفلسطينية، دافع البابا شنودة، عن القضية الفلسطينية حتى سبقت الكنيسة بعض المؤسسات الدينية الإسلامية في مواقفها القوية تجاه الحقوق الفلسطينية.
وقال البابا شنودة مقولته الشهيرة ‘أنتم أخذتم وعدا من بلفور وليس من الله"، لذا كان موقف البابا من الاحتلال واضحا من البداية، وأعلنه الرفض لمعاهدة السلام كامب ديفيد، كما أنه كان الصديق المقرب لياسر عرفات الرئيس الفلسطيني الراحل الذي كان يزوره في العباسية كلما جاء إلى القاهرة.

وحينما حاصرت إسرائيل ياسر عرفات في رام الله وفي فترة قاطع الزعماء العرب أبو عمار، ضغطت عليه الدول ألكبري لقبول الموقف الإسرائيلي، أقام البابا شنودة فاعلية المؤتمر الوطني الشعبي من أجل تأييد الشعب الفلسطيني وكان ذلك مساء يوم الخميس 11 أبريل 2002 في مقره بالعباسية.

ونظم البابا حشد على وجه السرعة عدد غفير من أبناء الكنيسة القبطية وفتح خط التليفون مع أبو عمار على الهواء مباشرة لمدة زمنية ربما تجاوزت الساعة معبرًا عن دعمه لعرفات ومصليًا له في إجتياز محنته.
لم تقتصر مواقف البابا على مقاطعته لمعاهدة السلام ومساندة للقضية الفلسطينية، بل لمحاربة الفتنة الطائفية التي حاول الكثير من دول العالم إشعالها في مصر، وباتت كل محاولاتهم بالفشل.

حملت عظات البابا شنودة الثالث رسائل للأقباط في الداخل والخارج بعدم الانصات لدعوات الوقيعة بين أطياف الوطن، كما تحمل الاتهامات التي كانت توجه له من قبل البعض بكونه مسالما أو مستسلما، لكن تلك الاتهامات لم تؤثر فيه وظل على طبيعته حتى رحل عن عالمنا في الـ17 من مارس عام 2012.

وبعد حادث تفجير كنيسة القديسين في الإسكندرية الذي راح ضحيته 24 قبطيًا وحوالي 80 مصابًا، توقع العالم بأسره أن البابا شنودة سيعلن الحرب على المسلمين في مصر وتندلع الفتنة الطائفية.

ولكن جاء رد البابا مخيبا لمطامعهم الخبيثة التي لا تحمل في نفوسها الإ الشر لمصر والمصريين.

قال البابا أخاطب أهالي المتوفين بتقديم جرعة إيمانية تصبرهم على مصابهم وتؤكد دعم الكنيسة لذويهم.

وتابع أشعر بالآم الأهالى ومتاعبهم، فالضحايا أبرياء من تلك الهجمة التي راحت ضحيتها نفوس عزيزة علينا في ليلة كان ينبغي أن يفرحوا فيها، ولم يرتكبوا أي ذنب حتى يلاحقهم هذا التعب وربنا يكون معهم.

وأضاف أن دمائهم التي سُفكت كأنها نزفت من قلوبنا نحن والألم يعصر قلوبنا تجاه ما حدث في كنيسة القديسين، وهذا لا يمنع من أن نشعر أن الذين قُتلوا صاروا شهداء عند الله ووصلوا إلى الفردوس يقينا.