طباعة

"غير المسلمين" الحج في الديانات الأخرى .. كيف كان يتم ؟

الإثنين 13/08/2018 10:32 ص

إسلام مصطفى

صورة مجمعة لإظهار الحج في الأديان

نسمات موسم الحج تحفنا من كل جانب، ومع بدأ العشر من ذي الحجة تلوح بالأفق نسمات الرحمة، تلك الروحانيات التي تلوح في الأفق تجعلنا نفكر في فريضة الحج، ولكن من ناحية أخرى، بما أن الحج فريضة قال عنها الله من يعظم شعائرها فذلك من تقوى القلوب، والحج عبادة لا تقتصر على المسلمين فقط، بل موجودة بكل الأديان السماوية والأرضية، ولكن أجدادنا المصريين القدماء أول من عرف الحج، وصوره على معابدهم.
قرابين الفراعنة
قرابين الفراعنة
عرف المصريون القدماء الحج، بل وتميزوا بطابع ديني وحدوي من خلال عبادة الإله "آتون" بعدما وحد أوجد "أخناتون" فكرة التوحيد، وهذا ما ظهر على المشاهد التي صورها المصريين القدماء على جدران المقابر والمعابد، فكان المصري القديم يتوافدون على مدين "أبيدوس" والمعروفة باسم "كعبة الحج عند المصري القديم"، قاصدين قبر "أوزير"، الواقع حاليًا بصعيد مصر، بالتحديد جنوب محافظة سوهاج.

وأطلعتنا بعض الكتب والأبحاث التاريخية المصرية والأجنبية، بأن المصريين القدماء عرفوا الجغرافيا الدينية، بل اعطاها الكهنة اهتمام فاق غيرها من أنواع الجغرافيا؛ لاحتوائها على مراكز الحج والأماكن المقدسة، هذا وقد أوضح كتاب "المصريون القدماء أول الحنفاء" للباحث نديم السيار، أن كلمة "كعبة" مُشتقة من الكلمة الفرعونية "كابا".
اختلفت الآراء فيما يتعلق في هذه النقطة، حيث أن الخبير الأثري عمر ذكي، أوضح أن كلمتي "حج" و"كعبة" لا أصول لهم في اللغة الفرعونية، إنما ما حدث من قِبل البعض هو محاولات للتقريب بين الكلمات الهيروغليفية القديمة والكلمات العربية الحديثة.

وسلط ذكي الضوء على نقطة مهمة جدًا، توضح أن التوحيد والفرائض وغيرها لها أصول مصرية قديمة، حيث أشار إلى أن الإله "أوزير" يعتبر هو النبي إدريس، فيما تعتبر "أيزيس" هي السيدة نفيسة، هذا بحسب اللغة الهيروغلفية.

كان المصريون القدماء يحجون إلى مدينة "عرابة أبيدوس" التابعة حاليًا لمركز "البلينا" بمحافظة سوهاج، والحقيقة أن قدسية المدينة يعود إلى ما قبل الحج إلى قبر "أوزير"، ولكن تلك المدينة اكتسبت قداستها من قبل من وجود معبد الإله "خنتي أمنتي"، المعروف بعالم الموتى، إلا أن قدسيتها زادت بعد عصر الأسرات، لاسيما بعد اعتباره مقرًا لضريح الإله "أوزير"، كما اعتبر المصريون القدماء مقبرة الملك "جر" وهو أحد ملوك الأسرة الأولى هي نفسها مقبرة "أوزير"، وذلك نظرًا للبس حدث في قراءة اسم خنت، حيث قرأوه على أنه "خنت"، وربطوا بينه وبين الإله "خنتي أمنتي"، ما دفعهم إلى التدوين في النصوص أن روح"أوزير" تعيش في أرض بكر قرب مدينة "أبيدوس".

وصور المصري القديم رحلتي الذهاب والعودة للحج، وذلك على جدران المقابر بمدينتي "طيبة" و"بني حسين"، حيث عُثر على ما يقرب من 2000 لوحة تصويرية للرحلة، بالإضافة إلى مجموعة من موائد القرابين والتماثيل، وعدد من الأدوات الجنائزية التي كان يحملها الحجاج.

وعن طقوس الحج عند المصريين القدماء، أوضح عمر ذكي، أنها تبلورت في إعداد المراكب وتحميل القرابين واحتياجات الرحلة، مُشيرًا إلى أن طقوس الحج داخل المعبد تستمر لمدة 6 أيام، وتبدأ في الصباح يوميًا بقراءة عدد من التعاويذ والتراتيل مع كهنة المعبد، فضلًا عن تقديم القرابين على رأسها تماثيل مصنوعة من الطين الممزوج بالقمح والشعير.
وأوضح ذكي أن الحج الفرعوني، تشابه في بعض جوانبه من الحج الإسلامي، حيث أنه كان هناك نشاطًا تجاريًا في محيط "أبيدوس"، حيث أن التماثيل التي تقدم كقرابين كانت تباع بالقرب من المعبد، مُوضحًا أن الحاج المصري القديم كان يُقدم أنواعًا من الخبز، ويذبح بعض الحيوانات ويقدم الأسماك أيضًا.
الحرم المكي
الحرم المكي
الحج الإسلامي فُرض في السنة التاسعة، فهو فريضة ولكن على القادر، حيث أن الله قال في كتابه العزيز: "ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلًا"، والحج في الإسلام يكون في الفترة ما بين الثامن إلى 13 من شهر ذي الحجة، ويتم تحديد الموعد وفقًا لحسابات فلكية معينة يتم من خلالها استطلاع هلال ذي الحجة، ومن ثم تحديد موعد الحج ووقفة عرفة.
يتوافد المسلمون إلى مدينة مكة بالسعودية حيث قبلة المسلمين، وللحج الإسلامي مجموعة من الأركان على رأسها الإحرام، وفيها يخلع الحاج الملابس المخيطة ويرتدي ملابس الإحرام؛ وهي عبارة عن إزار ورداء أبيضين، وحذاء بالطبع، ويستحب أن يغتسل المسلم اتباعًا لسنة النبي، كما يُستحب أن يصلي الحاج ركعتين مع تلبية النية بقوله: "لبيك اللهم حجًا" والتي تعرف بتلبية الإفراد بالحج.
ويلي الإحرام، شعيرة الوقوف بجبل عرفة المطل على منى، في 9 ذي الحجة إلى فجر يوم النحر، ويعتبر ذلك الركن الأهم بالحج بحسب ما ورد عن النبي، حيث قال: " الحج عرفة، من أدرك عرفة ليلة جمع قبل طلوع الفجر؛ فقد أدرك الحج.."، ثم يقوم الحجاج بطواف الإفاضة، الذي يكون له وقتان وقت مفضل، ويمكن تأخيره لوقت آخر، فالأول يكون يوم النحر؛ أي الذبح عقب رمي الجمرات والذبح والحلق.
وأخيرًا يختم الحاج المسلم فريضته بالسعي بين الصفا والمروة، وذلك عقب طواف الإفاضة، حيث يصعد الحاج الصفا ويشرع بالسعي إلى المروة ماشيًا، على أن يهرول في منتصف المسعى، ثم يسعى إلى المروة ماشيًا، وعند الوصول للمرة يكون قد أكمل الشوط الأول، ويكمل السعي بين الصفا والمروة بنفس الطريقة إلى أن يتم الأشواط السبعة بين الصفا والمروة.

الحج اليهودي فرض على الذكور
وأورد إبراهيم درباس موسى، في كتابه "مفهوم في الديانة الهندوسية"، أن مفهوم الحج عند اليهود يتبلور في كونه حجًا إلى مكان مقدس، وحددوا أماكن الحج المقدسة، بأنها مدينة القدس، والتي يوافدون إليها في عيد الفصح كل عام، فضلًا عن الحج إلى مكان تابوت العهد، والحج أيضًا إلى السور القديم لهيكل سليمان المزعوم بالتحديد في الناحية الغربية من المسجد الأقصى، والمُسمى بحائط المبكى.
وذكر اليهود المزرات المقدسة في سفر التكوين، في الآية 35:1 والتي تقول: " ثم قال الله ليعقوب قم اصعد إلى بيت إيل، وأقم هناك واصنع هناك مذبحًا لله الذي ظهر لك حين هربت من وجه عيسو أخيك"، وعلى عكس الإسلام فاليهودية تفرض على اليهودي الحج إلى المعبد المقدس ثلاث مرات في العام، كما فُرض على الذكور فقط دون العميان والإناث والقاصرين والعرجان والمسنين، ومرضى العقل والمرضى العضويين، ووجب على هؤلاء تقديم صدقة، بناء على ما ورد في سفر الخروج: "ثلاث مرات في السنة يظهر جميع ذكورك أمام السيد الربّ إله إسرائيل".
وتتمثل طقوس الحج اليهودي في استخدام الآلات الموسيقية، وهذا بحسب ما جاء في المزمور 84، "فيصعودهم إلى أورشليم؛ للتخفيف من متاعبهم بالترنم"، هذا بالإضافة إلى إنشاد المزيد من الأناشيد الدينية، ومن بين اليهود هناك طائفة السامريين لا تحج إلى بيت المقدس، ولكن يتوافدون إلى جبل "غريزم" بين بيت المقدس ونابلس.

وبحسب ما ورد في منشورات الكنيسة الإنجيلية- اللوثرية بفنلندا، أن زيارة الأماكن المُقدسة في المسيحية تقليد قديم، مُشيرين إلى أنه ليس فرضًا، ولكن اعتاد المسحيين قديمًا للحج إلى روما، برغم أن المكان لا أهمية له إلا أنه يُذكر المرء بشيء مُقدس، ويقرب المسيحيين من الله، فالكثير يزورون أماكن عاش فيها يسوع المسيح وقبره، وبعض مسيحيي فنلندا يحجون إلى كنائس وأماكن تاريخية، أعلن فيها الإنجيل، وبالفعل لم تتطرق الأناجيل على الإطلاق لفريضة الحج، ولم ينوه عنه عيسى عليه السلام

ولكن المسيحيين اعتادوا على الحج إلى قبور الصالحين، ثم حولوا وجهتهم إلى القدس، ثم بيت لحم حيث وُلد المسيح، بالتحديد كنيسة القيامة، وإلى مجموعة من الكنائس في العالم، والحج المسيحي غرضه الأول الحصول على المساعدة الروحية، أو لتكفير الذنوب.

وعن الحج في الأديان الأرضية، نجد أن الحج الغرض الأول منه عند البوذيين تهذيب النفس وتطهيرها، كما أن محور عبادتهم يدور حول التأمل الروحي في ماهية الوجود، ويتوافد البوذيون إلى للحج إلى تيان شان وفوجي ياما، وسن بوذا في كاندي، والنيبال.


الهندوس
الهندوس
وفي الهندوسية يُعرف الحج بـ"ياترا" أي عبور النهر، وفيه يُشد الرحال إلى أماكن مقدسة وهي "دواركا" و"بادركا شرم" و"راميشور" وغيرها بالإضافة إلى الحج إلى أنهار مُطهرة، منها "كنكا" و"جامنا"، والكنج على رأس تلك الأنهار، والذي يعتقدون أن الإله استحم فيه، والحج عند الهندوس ليس فرضًا إنما هو فضيلة، إلى أحد الأماكن المقدسة أو الأنهار المطهرة، وغيره.

وبحسب ما أورد محمد ضياء في كتابه "دراسات في اليهودية والمسيحية واديان الهند"، فإن الحاج الهندوسي لا يتصل بأهله على الإطلاق، وخلال فترة ذهابه للحج يخلع ملابسه ويرتدي ملابس الإحرام، والتي تتكون من قميص طويل وإزار أصفر، ويحمل عود من القصب، معلق بها آنية للماء، ويرتل الورد الذي يقول: " هرى كرشن هرى رام".