طباعة

"المواطن مصري".. سيمفونية رائعة رصدت العدالة الإجتماعية في العهد الناصري ووثقت معاناة الفلاح بسبب الظلم الرأسمالي

الإثنين 10/09/2018 04:00 م

عواطف الوصيف

فيلم المواطن مصري وقانون الإصلاح الزراعي

الفلاح.. رمز مشرف يحتذى به من الجميع، في كل الأوطان وعلى مستوى العالم، فهو اليد التي تزرع الخير، فهو من يجتهد من أجل إطعام الأخرين يزرع البذرة التي بها نحي، لكن ترى هل نال الفلاح كامل حقوقه، التي تشعره بكرامته كمصري، أم أن الضغوط كانت أكبر منه، وجعلته يشعر بأن كل شيء قد سلب منه عنوة، حتى شعوره بكينونته ومصريته.


الفلاح في عهد الملكية
عاش الفلاح المصري، في عهد الملكية كالعبد المجبر على تنفيذ الأوامر وإطاعة البشوات وأمراء الصرايا، هؤلاء الذين هبط جدودهم من الألبان على مصر، وأستولوا على أرض لا حق لهم فيها، وظلوا يتوارثونها جيل تلو الأخر، وأمتلك كل واحدة بالألف والألفين من الفدادين الزراعية، وعملوا على استعباد الفلاحين، حيث أجبروا على زراعتها، نظير قدر بسيط جدا من الأجر، لكن أشرقت شمس فجر جديد، ليبدأ الفلاح عصر ومرحلة مختلفة.

الفلاح في عهد الملكية
الفلاح في عهد الملكية
قانون الإصلاح الزراعي
كان هدف ثورة 52 في المقام الأول هو المساواة بين مختلف طبقات وفئات الشعب، وإلغاء مبدأ ابن الأمير وأبن الفقير، الوقوف أمام قوات الإحتلال، وكان الفلاح المصري، من الأساسيات التي ركزت عليها ثورة يوليو، فقد تذكر الرئيس جمال عبد الناصر المعاناة التي واجهها الفلاح المصري، فقرر تطبيق قانون الإصلاح الزراعي، الذي أعتمد على ترسيخ مبدأ الارض لمن يزرعها، وبات الفلاح يعيش بكرامة شعر بكينونته وكرامته ومصريته.

قانون الإصلاح الزراعي
قانون الإصلاح الزراعي
العدالة للجميع
وجه الكثيرون سلسلة من الإتهامات ضد جمال عبد الناصر، حيث أتهم بأنه عمل على منح أراضي الأمراء والملوك للفلاحين، وترك أحفاد محمد علي فقراء دون مورد، لكن حقيقة الأمر شيء أخر، فعلى الرغم من أن هذه الأرض ملك للمصريين، أستولى أحفاد الألبان عليها، إلا أن قانون الإصلاح الزراعي، نص على أن يكون لكل فلاح خمسة فدادين، على أن يبق لكل اسرة ممن ينتمون للعائلة الملكية مائة فدان، وهنا نتساءل، هل يعقل أن تمتلك أسرة مائة فدان ويكونوا غير قادرين على العيش، أو أن يكون حالهم الإقتصادي سيء؟، فلقد حرص عبد الناصر، على تطبيق عدالة الله بين الجميع، حتى على من لم يحرصوا على مراعاتها وعملوا على استغلال فقر الضعفاء من أبناء الشعب المصري.
العدالة الإجتماعية
العدالة الإجتماعية
سينما الستينات ومعالجة الواقع
لا شك أن الجميع على مستوى الوطن العربي، يعي جيدا، كيف أثرت ثورة 52 في المواطن، وكيف عادت بأثار إيجابية عظيمة على الفلاح المصري، لكن ترى كيف تناولت السينما المصرية هذا الأمر، فقد حرصت سينما أيام الستينات على معالجة قضية الفلاح المصري، وتأثير ثورة 52 عليه ببراعة غير عادية، وهو ما يعد أمر طبيعي، فقد كانت مصر خلال هذه الفترة، شاهد على مجموعة من أبرز وأهم الكتاب والمبدعين في فنون الأدب، علاوة على أنه وخلال هذه الفترة، حرص القائمين على السينما على إبراز الأثار الإيجابية للثورة المصرية وعلى الفلاح المصري، علاوة على الأغاني ، ولعل أشهر ما تغنى به الشعب في هذه المرحلة، "فدادين خمسة حمس فدادين"، لكن وعلى الرغم من تقدير التجربة الناصرية، ما يعد أهم من الناحية الفنية، هو كيف تناولت السينما المصرية كل ما يتعلق بأثار الثورة على الفلاح فيما بعد ذلك.
إلغاء قانون الإصلاح الزراعي
من المعروف أن أمراء وبشوات العائلة الملكية، قد رفعوا سلسلة من القضايا، لكي يستردوا الأراضي التي سلبوها أجدادهم من قبل، لكي يعيدوا زمن العبودية مجددا للفلاح المصري، وعلى الرغم من أن مصر كانت تحت ريادة واحدا من أبرز رموز ثورة 52 التي اندلعت من أجل المواطن والفلاح المصري، وهو الرئيس محمد أنور السادات، إلا أنه تم إتخاذ الإجراءات بالفعل ونفذ أخذ الفدادين التي وهبتها الثورة المصرية للفلاح، وهو ما كان له ما لا يحمد عقباه.


كارثة على الفلاح المصري
لن نحاول إنتقاد الرئيس السادات على الموافقة على أخذ الفدادين من الفلاحين المصريين، لكن ما يستلزم الإشارة إليه والتأكيد عليه، هو أن هذه القرارات كانت وبالا على الفلاح المصري، فلم يعد فقط كالعبد كيفما كان لكن الكارثة، هي أن مورد رزقه قد أنقطع، وبات يفكر كيف يعيش، وينفق على أبناءه، تساؤلات مجرد التفكير فيها تشعر صاحبها بالحسرة، لكن ترى أيا من الأفلام المصرية، التي تناولت هذه القضية، وببراعة يشهد لها.
الرئيس أنور السادات
الرئيس أنور السادات
براعة المواطن مصري
يعد فيلم المواطن مصري، من أبرع وأفضل الأعمال السينمائي التي تناولت هذه القضية الحساسة، الفلاح المصري الذي سلبت منه مجددا كينونته وكرامته، ذلك الفيلم الذي يعد سينفونية وملحمة فنية رائعة، قادها نجمين من ألمع ما عرفت سماء الفن العربي "عمر الشريف وعزت العلايلي"، ذلك الفيلم الذي كان ذو حوار رائع، وسيناريو لا غبار عليه، تناول القضية من كل أبعادها وزواياها، تلك الملحمة التي رصدت كلمة للفنان عزت العلايلي، وهو يروي ما قام به من أجل الفلاح، وكيف أنه حرص على تطبيق صور العدي بين الجميع، حوار يمس القلب قبل الأذن.

الخلاصة..
المواطن مصري واحدا من أهم وأفضل الأعمال التي عرفتها السينما العربية، واحدا من الملاحم السينمائية الرائدة التي ستظل في ذاكرة أجيال، أدى مؤسسيه أدوارهم كل منهم ببراعة من الصعب أن تتتكرر، لكن القضية أبعد من ذلك، فالأمر يتعلق بالفلاح، الذي شهد على عودته مرة أخرى إلى القهر والظلم والعبودية وسلب حقه في الحياة الكريمة في عهد من أفترض أنه كان شريكا في ثورة تغنت بحق الفقير وتطبيق مباديء المساواة والعدالة بين الجميع.