طباعة

الشيخ محمود التهامي .. حين وحَّد جمال الإنشاد الديني مع جلاله

الأربعاء 24/10/2018 04:01 ص

وسيم عفيفي

الشيخ محمود التهامي

بالتزامن مع مولد الشيخ محمود التهامي نقيب المنشدين سنة 1979 م كانت مصر تتعرض يوميا لتغيرات في ثقافتها، فقد فقدت الساحة الصوفية آباء الروحانية مثل الشيخ صالح الجعفري والإمام عبدالحليم محمود وفضيلة المحدث محمد الحافظ التيجاني.

على نفس السياق كان رواد الإنشاد الديني إما كبروا في السن أو اكتفوا أن يكونوا مجرد أصوات في شرائط كاسيت ذات مبيعات خاسرة أمام شرائط أم كلثوم وعبدالحليم حافظ واللذين فارقا الحياة.

ومن أقصى أقاصي الجنوب جاء صوت الشيخ ياسين التهامي ليحدث انقلابا شديدا في مدرسة الإنشاد الديني، حيث جعله يصل إلى العامة ولا يكون حِكْراً على المناسبات الموسمية، وكان تحدياً كبيراً بالنسبة للشيخ ياسين التهامي أن يجعل كل الناس يعرفون الشعر الصوفي خاصةً في ظل ظروف أمنية بالغة التعقيد خلال ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي.

التحدي الذي واجهه الشيخ ياسين التهامي كان هو نفسه في حالة نجله الشيخ محمود التهامي، غير أن تحديات التهامي الصغير أكبر بكثيرٍ من أبيه.

الشيخ محمود التهامي .. لن أعيش في جلباب أبي

الشيخ ياسين التهامي
الشيخ ياسين التهامي - الشيخ محمود التهامي
لا يتقبل الكثير من المصريين فكرة وراثة الموهبة خاصةً في المواهب الدينية حتى لو كان الوريث موهوباً وربما عائلة المنشاوي كسرت هذه القاعدة من خلال ثنائية الشقيقين محمد ومحمود صديق المنشاوي.

الأمر نفسه تكرر في حالة الشيخ محمود التهامي والذي ظل لسنوات في أعين الناس مجرد ابن للشيخ ياسين التهامي "نسمعه من أجل أبيه"، ولم يمثل الشيخ ياسين التهامي عقدةً لابنه بقدر ما حاول الناس إقناعه بذلك.
من الصعب أن يصعد أحد مرتبة الإنشاد الديني بدلاً للشيخ ياسين التهامي، ونجاح أي أحد منافسٍ للشيخ ياسين التهامي حكمه المستحيل، وربما خفق قلب الشيخ محمود التهامي حين صعد للإنشاد، لكنه اتسم بذكاء حادٍ حيث قرأ المشهد جيداً. 

دخل الشيخ ياسين التهامي قلوب عامة الشعب من باب محبي التصوف، بينما الشيخ محمود التهامي دخل قلوب متابعيه من باب الشباب وكان هذا تحديا شديد الشراسة، فمن المستحيلات أن يستمع جيل أوكا وأورتيجا والأندرجراوند لإنشاد ديني من شاب، خاصةً وأن ثقافة الأذن كانت مشوهة بفعل سنوات الربيع العربي.

اكتسب الشيخ محمود التهامي شهرةً واسعةً في أوساط الشباب فكان منفوحا بحب التصوف ومباركا بدعاء أبيه وموفقاً في إنشاده نتيجةً لإخلاص قلبه وكما أنشد هو ومن قبله أبيه "من لم أكابد لن أفوز بحبه ** والقلب لا ينعم وفيه ثقوب".

الشيخ محمود التهامي .. قالوا تداوى به منه فقال هل يتداوى الداء بالداء !
الموسيقار عمار الشريعي
الموسيقار عمار الشريعي - محمود التهامي
لم يسلم التراث الصوفي من التغيرات، فحل جيل قواعد العشق الأربعون بديلاً لقصائد البردة والحلاج وعمر بن الفارض، وبالتالي كان تحدياً كبيراً أمام الشيخ محمود التهامي هل ينشد القصائد الصوفية ذات المستوى الفلسفي العالي أم ينزل لمستنقع تمييع الإنشاد.

من الصعب على أحدٍ مثل الشيخ محمود التهامي أن يركب الموجة على طريقة "اللي عاوزه الجمهور يكون"، وإنما المسألة كانت بالنسبة له هوية، فبحكم تكوينه الصوفي لن يقبل بتمييع الإنشاد، فكان ذكياً حين قرر أن يتفاعل مع جمهوره وسر تفاعله إحساسه بالأبيات وبالتالي كانت التلقائية هي عنوان المشهد بين الشيخ محمود التهامي ومستمعيه. 

ونجح الشيخ محمود التهامي في الوصول لغير المثقفين وحتى الأجانب، فكون جمهورا مركبا، ولعل التفاعل بين الشيخ محمود التهامي وجمهوره هو سر التميز الذي يتسم به الشيخ محمود التهامي والذي فيما بعد لفت أنظار الدولة له من خلال بروتوكول التعاون بين الهيئة الوطنية للإعلام ونقابة المنشدين التي أسسها حيث كما قال الشيخ محمود التهامي عن البروتوكول "نسعى جاهدين لاكتشاف المواهب من جميع ربوع الجمهورية وخاصة القرى والنجوع، التى مازالت تحافظ على الأصالة والفطرة، لدعمها وتثقيفها، وركز التهامى على دور الإنشاد الدينى كقوى ناعمة تنشر ثقافة الروحانيات والسلام والمحبة، لمواجهة الإرهاب والتطرف".