طباعة

من رصيف 6.. حكايات متفرقة جمعها حريق محطة مصر

الأربعاء 27/02/2019 06:01 م

مصطفى فرحات

حريق محطة مصر

لم يكن صباحًا عاديًا على المتواجدين داخل محطة رمسيس أو السائرين في أنحاءها، بعد أن قرر سائق إحدى القطارات أن يجعل هذا اليوم كارثيًا على الكثير من الأسر المصرية، ويجعلها ذكرى محملة برائحة الدم، والجثث المتفحمة. مجرد دقائق تكفي كي يسكن القطار على الرصيف، يُعلن عن حضروه بصافرته كي ينتبه عمال التحويلة، ويستعد الركاب المتراصون على المقاعد في انتظار أن يقلهم إلى حيث يريدون، بينما آخرون يسيرون على الرصيف المتاخم يفكرون في تفاصيلهم يومهم.

 شخصيات مختلفة فرقتهم تفاصيل الحياة وجمعهم الحريق، بين أم تحمل كيسًا يحوي وجبة اليوم لأسرتها، وشاب يجر حقيبة السفر عائدًا إلى أهله كي يضع حدًا للغربة التي أجبرته على تركهم، وآخر حاملًا حقيبته على كتفه تحوي أغراضه ربما كان يفكر وقتها أنه عليه إجراء مكالمة إلى خطيبته يخبرها أنه سيزورهم الليلة. فجأة القطار الذي كان من المفترض أن يرتكن على رصيف 6، غيّر مساره وارتطم بأحد الحوائط الخراسانية، أعقبه انفجار هائل ما أدى إلى اشتعال الجرار وتصاعد ألسنة اللهب، والتي انطلقت تأكل الأفراد المتواجدين في نطاقها تقطع تفكيرهم في شواغل يومهم، فذهبوا إلى حيث لا يمكن أن يركبوا قطارات تحصد أرواحهم. 



بضفائر معقودة تتطاير خلفها، تسير بخطوات وئيدة، تتقافز داخل المحطة، تحمل لعبتها برهافة ممسكة بيد أمها، خوفًا من الضياع وسط زحام المسافرين وأعدادهم المتكدسة، فجأة وجدت نفسها وحيدة، تاهت عن أمها، تحولت أحلامها الوردية وتفاصيل يومها البريء إلى أشلاء وجثث ومكان يعبق برائحة الدم، لم يمهلها القدر لحظة فوجدت أن النار التهمت جسدها الضعيف وشوّهت ملامح البراءة التي تغلف شخصيتها، ليتحول الأمر برمته في نظرها إلى مشهد من تلك الأفلام التي كانت تخافها عندما تطالعها على شاشة التلفاز.


 في حياة أي مجند، تُعتبر الإجازة الوقود الذي يدفعه إلى الاستمرار، يتحمل في سبيلها معاناة كبيرة خلال الأيام التي يتواجد بها بالوحدة قد تصل أحيانًا إلى أكثر من شهرين، يقضيها بعيدًا فيها عن العالم، يزوي بآلامه ومعاناته منفردًا، وفي اليوم الذي يسبق نزوله، يتعّجل عقارب الساعة، لا يقر له جفن حتى الصباح. 
ومع أول ضوء يحمل حقيبته، يملؤه الفرح فقد انتصر على الغربة ببضعة أيام مسجلة في تصريح أخضر، هاهو القطار قادم الذي سيحمله إلى من غاب عنهم، يتقدم خطوة فإذا بالقطار يباغته بخطوة أشد قسوة، تتلاشى من شدتها أعضاؤه، بينما لم يتبقى منه سوى البيادة التي كان من المفترض ألا تخطو إلى الموت.