طباعة

الشعرواي في أيامنا

الخميس 13/06/2019 11:35 م

محمود شومان

لا اعتقد ان احداً من رجال من الدين قد يحظي يوما ما بتلك المكانة من التقدير والمحبة لدى العامة من المصريين الغير مختصين بالطبع في الشان الديني للشيخ الشعرواي وليس هذا للمواضيع والاشكاليات الدينية التي كان يتناولها الشعرواي فهي لاتختلف كثيراً عن تلك التي باتت الهم الشاغل لرجال الدين هذه الايام كهل يجوز صيام الست من شوال بنية قضاء رمضان ولكن لاعتماده علي الاسلوب البيسط لتقديم المواضيع الدينية للعامة والمزاوجة بين العمق والبساطة وذلك من خلال اللهجة المصرية الدارجة.

ويحظي الشعرواي بنفس القدر من الجدل فبينما يراه البعض مجدداً للخطاب الديني وتنويريا اسلاميا يراه البعض الاخر خصوصا من المثقفين ورواد التنوير يعتبر الشعرواي ويمثل نموذجا للفكر المتطرف الذي يقدم الافكار الرجعية الغير تقدمية للعامة بما يخدم الحركات او بالاحري الافكار المتطرفة ويسمح لها بالتغلل داخل المجتمع خاصة ان الشعرواي كما وصفه ابراهيم عيسي شيخ جماهير واسع النفوذ والتاثير فمن ثم فان ايام من ارائه او الفتاوي او سلوكياته تصبح ذات اهمية كبيرة لانها ذات تاثير اكبر.

لا اقدس الشعراوي كما يفعل البعض فلا يقبل توجيه لوم او نقد لاراء الشيخ وكانه بلغ منزلة الانبياء ولكن ايضا لا اقبل الانتقاص من الرجل مثلما يفعل البعض فيصبح الانتقاد مجرد "عداء غير مبرر" فهو بالنسبة لي ليس الا من صنعية الاعلام المصري الذي قدمه للعامة في مصر عندما كان الاعلام يملك تاثيراً حقيقا علي المواطن وتشكيل وعيه وقد كان الضيف الابرز للبرامج الدينية في الاذاعة والمحطات الرسمية قبل ان يصبح فيما بعد الضيف الوحيد تقريباً.

الامام الشعرواي «وانا احرص دائما علي مشاهدة الحلقات التلفزيونية المسلجة التي كان يلقيها بشكل منتظما في المساجد والتي تغزو الفضائيات المصرية والعربية في المناسبات الدينية» لم يقدم اي جديد يخدم الفكر الاسلامي والثقافة الاسلامية سوي انه عمل علي اعادة ترسيخ المفاهيم والاراء الدينية التي كانت لدي العامة علي عكس اخرين من معاصريه الذين  قدموا منهجاً جديداً فى الفكر الإسلامى وحاولوا تجديد الخطاب الديني بما يتلائم مع هذا العصر ولم يحظو بتلك المكانة التي بلغها الشعرواي كالامام محمد الغزالي واخرين اعتقد انهم كانوا اولي.

والان يتجدد الجدل بين فترة واخري حول بعض الاراء الامام كإن المرأة لا تخرج للعمل إلا لأمرين، أولهما أن تكون ليس لها عائل، وفي هذه الحالة "تبقى معذورة"، والثانية أن تخرج على قدر الضرورة وأن أكل لحوم الخيل ليس محرمًا او ان المرأة يجب أن تكون مستورة حتى لا يشك الرجل في بنوّة أبنائه منها.

ولا اعتقد صراحة اننا بحاجة الي هذا الجدل او الخلافات التي تعودة بين لحظة واخري عن تلك الاراء التي باتت محسومة علي الاغلب ولاتخدم لا الفكر الاسلامي ولا الثقافة الاسلامية.

يقول الامام محمد الغزالي عن تلك الخلافات: إن السلطات المستبِدَّة قديما وحديثا تسُرها الخلافات العلمية التي لا تمسها! هل الشك ينقض الوضوء أَم لا؟ هل رؤية الله في الآخرة ممكنة أَم ممتنعة؟ هل قراءة الإمام تكفي عن المصلين أم لا تكفي؟ إن حكام الجور يتمنون لو غرق الجمهور في هذه القضايا فلم يخرج! لكنه يشعر بضُر بَالغ عندما يقال: هل الدولة لخدمة فرد أم مبدأ؟ فماذا يكون المال دولة بين بعض الناس؟هل يعيش الناس ـ كما وُلِدوا ـ أحرارا أَم تستعبدهم سياط الفراعنة حينا ولُقمَة الخبز حينا؟.

وفي كتابة الرائع «الاسلام العقلانى - الفكر التجديدى عند امين الخولى» يري دكتور احمد سالم ان اهتمام المثقفين العرب مع بداية نصف القرن العشرين وبداية عهد التحرر من الاستعمار وسيطرة الانظمة الاستبداية انتقل من الهم الوطنى، وتحرير الأرض، والبحث عن أسباب النهضة، إلى الخلافات الفكرية بين كافة تيارات الثقافة العربية، وبدلا من استمرار خط النهضة في الحوار بدءت جذور الشقاق بين هذه التيارات الي ان وصلنا الي حالة عدائية بين الاسلاميين والعلمانين فكل اتجاة يعيش داخل اطار مطلق انه يمتلك الحقيقة المطلقة فالاسلاميون يتهمون الطرف الاخر بالتغريب والعمالة والخيانة في المقابل يرد الطرف الاخر الاتهام بالرجعية والتخلف والتطرف بينما تستفيد الانظمة الاستبداية من تلك الخلافات والتي توظف هولاء ضد هولاء.