طباعة

محمد سعيد الماحي.. قائد سيمفونية الجحيم في حرب اكتوبر 1973

الأحد 02/10/2022 07:40 م

أحمد ربيع مصطفى

قائد سلاح المدفعية الذي قصف المواقع الإسرائليلية بـ175 قنبلة كل ثانية في بداية الحرب. 

حرب الـ6 من اكتوبر، تكاد تكون الحرب الوحيدة التي استطاع فيها جيش عربي تحطيم صورة الجيش الذي لا يقهر أمام العالم أجمع، والتي مازلنا رغم طول السنين نكتشف قصص وأبطال عاشوا في جدران المؤسسة العسكرية المصرية.

ويكمن ضمن تلك القصص التي لا يعلمُها كثيرون، قصة سبب اختيار شعار سلاح المدفعية المصري وهو قوله تعالي "وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى"، والملحمة التي قام بها رجال المدفعية المصرية.

ومن المتعارف عليه داخل الجيش المصري بأن كل سلاح يحمل شعارًا خاص به، فتجد مثلًا شعار سلاح المدرعات المصري "النصر أو الشهادة".

وشعار سلاح المشاة المصري "قوة، عزم، نصر".

وشعار قوات الصاعقة المصرية "التضحية، الفداء، المجد".

لكن الغريب من بين كل تلك الشعارات هو شعار سلاح المدفعية المصرية وهو قوله تعالي "وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى"، والذي يحمل قصة بداخله توضح إلي أي مدى تكمن قوة صاحب الحق.

بداية النهاية.

عاشت مصر أسوأ فتراتها في العصر الحديث ما بين نكسة يونيو 1967 إلي ما قبل حرب اكتوبر 1973، والتي ترتب عليها شعور الشارع المصري بالعجزعن استرداد الأرض والعرض من مُحتل قد طغى علي الشعوب العربية.

ومن هنا كان سعي القيادة السياسية المصرية والعسكرية إلي إنهاء هذا الاحتلال الغاشم، ومن هنا بدأ العد التنازلي للحرب بسرية بالغة جدًا.

 

بداية انهيار أسطورة الجيش الذي لا يقهر.

بدأ سلاح الطيران المصري بالقيام الضربة الجوية المفاجئة علي مواقع العدو في تمام ساعة الصفر "الساعة الثانية ظهرًا"، وسط تغطية نارية مكثفة من سلاح المدفعية المصري والذي لعب دوراً هامًا جداً في الحرب.

دور سلاح المدفعية المصري في حرب اكتوبر.

تفوقت المدفعية المصرية علي العدو الإسرائيلي في حرب 1973 تفوقًا غيرعاديًا، وهذا ما وضحه الفريق "محمد سعيد الماحي" قائد سلاح المدفعية المصرية في الحرب.

وتحدث الفريق "الماحي" عن المدفعية المصرية خلال حرب اكتوبر، أنها أثبتت تفوقها علي نظيرتها الإسرائيلية قبل الحرب وخلال مراحل الصمود والردع والاستنزاف، وذلك بفضل وعي وكفاءة وتضحية أبطال السلاح، وقد شهد بذلك أكثر من معلق عسكري أوروبي في كتب "الأمس البعيد "عن حرب 56 وفي حرب 73 وشهد بذلك أيضًا الكاتب الأمريكي "كينت لاف" في كتابه (السويس – الحرب المتجددة).

وأجمعت تعليقات الخبراء العسكريين "أن المدفعية المصرية ظلت تُقاتل ضد السفن المغيرة عليها وضد المدرعات والطيران المعادي في وقت واحد، حتى أمسكت النيران بكل شبر من الارض بشرم الشيخ ،وأصبح من المتعذر إطفاؤها".

ويكمل الفريق الماحي الحديث عن المهام الموكلة للمدفعية المصرية ومنها ضرب عمق إسرائيل، ففي يوم 22 اكتوبر اطلقت المدفعية المصرية أول صواريخها الموجهة الي العدو وأعطت قوة تدميرية هائلة.

وقد قام الرئيس السادات بتعيين الأهداف داخل عمق إسرائيل واستعدت المدفعية المصرية لضربها بالصواريخ إذا صدرت التعليمات بذلك، ولما كانت للمدفعية المصرية اليد العُلْيا في المعركة في الوصول إلي عمق أي مدينة بإسرائيل.

مرحله ما بعد عبور المدفعية المصرية لسيناء.

يتحدث الفريق" الماحي" عن عبور المدفعية الثقيلة إلي سيناء ويكمل "عبرت بعض أجزاء المدفعية الثقيلة المصرية إلي الضفة الشرقية يوم 6 اكتوبر حتى تتمكن من التعامل مع العدو بأقصى مسافات تسمح لها بمدي نيران مؤثر".

وبذلك استطعنا الحفاظ علي جزء آخر في غرب القناة كعمق للمدفعية يتعامل مع أسلحة العدو في الوقت المناسب وتم تنفيذ عبور المدفعية بكامل أعيرتها طبقًا للتخطيط الموضوع.

إلا أن هناك بعض المواقف الطارئة التي اضطرتها الي تعديل في برنامج العبور، وخاصة ذلك الموقف الطارئ حيث لم يتمكن الجيش الثالث الميداني من إنشاء الكوبري المخصص لإحدي فرق المشاة، مما حال بين عبور وحدات المدفعية الثقيلة والدبابات إلي الضفة الشرقية في التوقيتات المحددة، وكان هذا الموقف يشكل خطورة علي قواتنا التي عبرت واحتلت رؤوس الكباري المحددة في سيناء.

وظلت تواجه نيران الدبابات الاسرائيلية في سيناء المكثفة، في بطولة أقرب الي المعجزة، هنا صدرت تعليمات القيادة العليا بدفع احتياطي من وحدات الصواريخ المضادة للدبابات وتعاونها مع المشاة إلي سيناء حتي تمكن المهندسون من إنشاء الكوبري.

واستطاعت الدبابات والمدفعية الثقيلة العبور إلي أرض المعركة، وكان جنود المدفعية الصاروخية المضادة للدبابات قد حققوا الكثير من المفاجآت التي تحدث عنها العالم ووصفوها بـ"المعجزة العسكرية".

وتكلم "الفريق الماحي" عن قوات المدفعية المصرية التي دمرت خط بارليف الأول، وقال "بعد عمليات نكسة يونيو بدأ العدو في إقامة خط حصين علي طول شرق القناة، منتهزًا وقف إطلاق النار، وأثناء مرحلة كسر وقف إطلاق النار بدأت المدفعية بكافة أعيرتها في التعامل مع هذه التحصينات الاسرائيلية ودمرنا أكثرها حتي صدر وقف اطلاق النار في أغسطس 1970 ،حين عاد العدو وأخذ ينشئ خط بارليف الجديد".

وأضاف: "قد اُقيمت هذه التحصينات بمستوي هندسي عالِ، وبالتالي زاد العبء علي مدفعيتنا وقبل الحرب استطعنا مع سلاح المهندسين أن نقيم نقاطا قوية في العمق المصري مشابه تماماً لحصون بارليف".

واستكمل حديثه: "حتي ندمرها ونصل بذلك إلى المعدلات الصحيحة المطلوبة من قذائف المدفعية لتدمير النقاط القوية الإسرائيلية، وكانت النقاط المصرية التي اقمناها تفوق نقاط العدو من حيث القوة والمناعة والتحصين والأسلاك والألغام".

وواصل حديثه: "من هنا استمر قصف المدفعية يوم 6 أكتوبر وقبل الساعة الثانية ظهرًا و53 دقيقة متواصلة للوصول إلى النتائج المطلوبة بعدها عبرت قواتنا وطائرتنا، المدفعية قامت ببعض المهام التي لم يكن من المعتاد أن تقوم بها كفتح الثغرات في حقول الألغام والأسلاك علي مستوي حصون بارليف، وكان قصفًا محكمًا، وبذلك استطاعت قواتنا من سلاح المشاة اقتحام هذه الحصون والاستيلاء عليها بعد أن أصبحت حصونًا غير صالحة للاستعمال، وأصبحت المعركة جندي مصري أمام جندي إسرائيلي وجهًا لوجه".

وصرح "شلومو أردينست" قائد حصن "هاميزح" والذي تم استهداف حصنه فلم يجد حل إلا تسليم الحصن إلى الجنود المصرية مع تقديم التحية العسكرية إلى الضابط المصري.

وقد قال "شلومو": "رأيت أعدادًا مهولة من الطائرات المصرية تدخل سيناء حينها أيقنت أن الحرب بدأت، كما بدأت المدفعية المصرية في القذف، ومن أول قذيفة كانت تُصيب قلب الحصن، فقذيفة تسقط كانت تزلزل الارض وتملئها دخان، وليس قذيفة واحدة بل فيضان من قذائف المدفعية المصرية".

أسباب اختيار الشعار من سلاح المدفعية المصرية:

بدأت المدفعية المصرية فى التمهيد النيرانى للاقتحام البرى لخط بارليف وكانت مهمتها الأساسية إخماد أى نيران من مدفعية العدو على الجانب الشرقى وتدمير نقاط المراقبة وتدمير النقاط الحصينة وهنا تكمن القصة.

وهنا حاولت المدفعية المصرية قصف إحدى النقاط الحصينة على خط المواجهة ولكن كل القذائف تخطىء الهدف، مما استدعى مراقبو المدفعية إلى تعديل الإحداثيات لأكثر من مرة لضرب الأهداف الاسرائيلية الخطيرة علي الضفة الشرقية ولكن بدون جدوى.

وظلت القذائف المصرية تخطىء الهدف وكانت القذائف تهبط على هضبة "أم خشيب" والهضبة كلها صخور وحجارة، وإذا بمراقبو المدفعية يجدون هضبة "أم خشيب" تتصاعد منها كميات هائلة من الدخان في السماء والتي لا تتناسب مع هضبة صخرية !!

وعندما عبر الجنود المصريين إلي الضفة الشرقية، كانت المفاجأة، فوجدوا أن هضبة أم خشيب كانت تحوى داخلها علي مركزًا إسرائيليًا متطورًا للغاية للإعاقة والتشويش والتصنت، وقد أدت القذائف لتدمير المركز بالكامل.

وبعد الحرب عرض اللواء محمد سعيد الماحى مدير سلاح المدفعية على الرئيس السادات أن يصبح شعار سلاح المدفعية الجديد، بقول الله تعالى: ((وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى)) سورة الأنفال.

ومن هنا جاء شعار سلاح المدفعية المصرية، ذلك السلاح الذي لعب دور في غاية الأهمية في حرب الـ6 من اكتوبر عام 1973.

ليصبح ما قامت بيه قوات المدفعية المصرية مادة علمية تًدرس في كافة الجامعات والمعاهد والأكاديميات العسكرية حول العالم حتي الأن.