طباعة

«لؤلؤ العالم العربي».. معاناة وقصص نجاح لأبطال الرياضة العرب

السبت 03/12/2022 02:49 م

أمل سعداوي

أبطال الرياضة

بين البتر والكرسي المتحرك والقزم.. حكايات يسردها أبطال

 

«الإعاقة في العقل وليست في الجسد» مقولة اعتنقها أصحاب الهمم العالية، وآمن بها ذووي القدرات الفائقة، لتُقسم إرادتهم للزمن على أن اليأس لا مجال له في قلوبهم، فبالإصرار والعزيمة وضعوا بصمتهم في جميع المحافل، لتصبح أسماءهم علامة فارقة في سماء عالم الرياضة، وتسجل بطولاتهم بماء من ذهب، فكانت الانتقادات والآراء السلبية وقودًا يشتعل لتلمع موهبتهم.

 

من نيل مصر وصولًا لصحراء ليبيا، وقدس فلسطين، وفرات العراق، تجمعوا أبطال قصتنا واتفقوا على  تحدي الإصابة وتحقيق الانجازات ودخول التاريخ من أوسع أبوابه، فسلاحهم كان الصبر والعزيمة وإيمانهم بأنفسهم وبأنهم قادرين على صنع سلمًا تصعد عليه مواهبهم درجة تلو الأخرى لتلمع نجحاتهم في عنان السماء.


رحلة علاج أبهرت العالم

«لا صوت يعلو فوق صوت الإرادة».. بتلك الكلمات تمكنت آية أيمن صاحبة الـ 22 عامًا من التتويج بلقلب أول فتاة مصرية تشارك في دورة بارالمبية وأصغر لاعبة مصرية وعربية أفريقية تشارك في بطولة «ريو دي جينيرو» لعام 2016.

 

فلم يمنعها الكرسي ذو العجلات الأربع التي جلست عليه من صغرها نتيجة إصابتها بمرض مفاجيء أن يكون عائقًا لها من أن تطلق العنان لأحلامها، فقد أخبر الأطباء والدتها بأنها لن تتمكن من الحركة مجددًا، لتثبت هي عكس ذلك.

 

ست سنوات كان عمر «آية» عندما بدأت رحلتها في رياضة السباحة كعلاج طبيعي لتتمكن من تحريك قدمها فيما بعد كما نصحها الأطباء، لكنها لم تكن تعرف أن البحر هو شفاء روحها ومستقبلها ونجاحها القادم، فبدأت تشعر بالراحة لتمكنها من السباحة بحرية في المياه دون أن تشعر بالقيود التي فرضتها سياج المرض.

فعلى الرغم من صغر سنها في ذلك الوقت، إلا أنها شعرت بأنها ستصبح مميزة عن أقرانها المعافين، وسيكون الكرسي الذي تجلس عليه صاحب الفضل الأول في ذلك، فآمنت بها والدتها وقررت أن تشجعها لتحقيق حلم وُلد معاها حتى أصبح كبيرًا لدرجة بأن يتحدث عنه العالم؛ لتصبح عضوًا في فريق سباحة نادي الشمس.

 

وتمكنت «آية» خلال الفترة بين عام 2006 وحتى عام 2014 وبعد تدريبات شاقة بأن تتوج بلقب بطولة الجمهورية وتحمل كأس مصر وتحصل على لقب أفضل سباحة على مستوى الجمهورية.

وفي عام 2014، حصلت على ميدالية دولية في تاريخ السباحة البارالمبية ببطولة إسبانيا الدولية وهي ميدالية ذهبية وشاركت في ثلاث بطولات للعالم؛ لتصبح أصغر لاعبة تشارك في بارالمبياد ريو 2016، وأصغر وأول فتاة في تاريخ السباحة تحصل على الميداليتين «الفضية والبرونزية» ببطولة العالم.

 

وفي عام 2018 منحها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وسام الجمهورية للرياضيين من الطبقة الثانية، ليُضاف ذلك إلى سجل نجاحاتها ويجعل الفرحة تغمر قلبها، فتحدثت معبرة عن سعادتها قائلة: «وسام الجمهورية كان أحد أحلامي وأحلام والدتي وفخورة جدًا بالتكريم، خاصة أني أول وأصغر سباحة في تاريخ السباحة البارالمبية تحصل على هذا الوسام»

وأكدت «آية» أن الدعم المعنوي الذي قدمه لها عائلتها هو سبب نجاحها، فأن يؤمن أحد بقدراتك أفضل بكثير من أن يغدق عليك المال، وأوضحت أن بعد منحها وسام الجمهورية، أصبح طموحها لا حدود له، فتوجت عام 2022 بـست ميداليات متنوعة ببطولة كأس مصر للسباحة التي تقام بنادي «النادي» بالعاصمة الإدارية الجديدة، وأربع ذهبيات في سباقات 50 متر حرة و 100 متر حرة و500  متر حرة و 100 متر صدر، بالإضافة إلى ميداليتين برونزيتين في سباقي تابع 4×50 حرة و تتابع 4×50 متنوع.

 

وتطمح «آية» في تحقيق المزيد من البطولات التي تزيد من سجل نجاحاتها في الحياة، وتنصح أصحاب الهمم بضرورة تحديد هدفهم وتحدي المصاعب التي قد تواجههم في رحلة الأحلام.

 

حرب صنعت حلمًا

 كانت شظايا الحرب الدافع الرئيسي وراء تحقيق حلمه، فرأى أن قصر قامته لن يمثل عائقًا، وأن التخلص من آلمه النفسي يتطلب الجهد والمثابرة، وأن الرياضة هي السبيل الوحيد لذلك، فتحقيق البطولات حلم وُلد بداخله وآمن به، وقرر أن يحققه على أرض الواقع.

 

في مدينة «سرت» الواقعة في شمال ليبيا، يقطن نور الدين القذافي صاحب السابعة عشر عامًا، لاعب المنتخب الليبي لرفعات القوة للأشخاص ذوي القدرات الفائقة.

 

ويحكي «القذافي» أن آلامه النفسية الناجمة من حرب داعش كانت الدافع وراء توجهه لعالم الرياضة، ففي عام 2016 تهدم منزل عائلته نتيجة الحرب، فتعرض لأزمة نفسية كبيرة، ما جعله يبحث عن طريقة تنسيه آلام الماضي.

 

وفي أثناء حضور القذافي لمهرجان «سرت» لذوي الإعاقة، شاهد الكثير من أقرانه من أصحاب الهمم العالية، وعلى رأسهم البطل الليبي الأولمبي الكابتن عبد الرحيم الزوري، والكابتن أحمد بلعيد، واستمع إلى حديثهم ورأى كيف تمكنوا من تحقيق نجاحات، ليقرر بعدها وضع اللبنة الأولى في بناء حلمه.

 

كان للكابتن أحمد بلعيد دورًا مهم في حياة «القذافي»، حيث شجعه كأبًا روحيًا له في مسيرته، وكان مؤمنًا بموهبته وقدرته في تحقيق نجاحات كبيرة، وكانت أول مشاركة رسمية «للقذافي» في لعبة رفعات القوة بعد اختياره للمنتخب بفترة لا تتجاوز شهرًا، وذهب في أعقاب ذلك لبطولة العالم في جورجيا في عام 2021 وحصل على الترتيب العاشر.

 

ولكن لم يكن المكسب في عين «القذافي» آنذاك هو حصوله على المرتبة العاشرة، بل ضمه إلى التصنيف العالمي لرياضيين ذوي الإعاقة، وفي أكتوبر من العام الجاري حصل «القذافي» في  بطولة أفريقيا المفتوحة لرفعات القوة بمصر على أربع قلائد ذهبية وزن 49 كجم ناشئين، وهم «ذهبية الفردي لبطولة أفريقيا، وذهبية المجموع لبطولة أفريقيا، وذهبية الفردي للبطولة المفتوحة، وذهبية الفردي للبطولة المفتوحة»

 

ورغم تحقيق «القذافي» لتلك الإنجازت، لكنه يرى أنها البداية فقط، وأن الوصول لأولمبياد باريس 2024 وتحقيق الذهبية لليبيا؛ ليصبح بطلًا عالميًا هو هدفه الأكبر.

 

تحدي الصعاب

داخل مدينة بيت لاهيا بقطاع غزة بفلسطين حيث يقطن سعدي محمد المصري، شاب في العقد الثالث من عمره، تعرض لحادث سير عندما كان عمره عامين تسبب في بتر قدمه اليسرى.

 

طفلٌ لم يدرك حينذاك معنى فقدان قدمه، حتى مرت السنوات وكبر هذا الطفل وتمكن من إدراك الاختلاف الذي بينه وبين أقرانه، وكبرت مع المعاناة ورافق قلبه الحزن، فقال «سعدي» مارست طفولتي بصعوبة بين الأطفال كوني فاقد لقدمي لكني بحمد الله  تغلبت على تلك المرحلة، ففي عمر الثامنة مارست السباحة وكانت أولى بطولاتي عام 1999.

 

وخلال الفترة من عام 2000 حتى عام 2022، حصل على بطولة فلسطين للسباحة، ولم يعمل في طفولته على تعلم السباحة فقط، بل تعلم كرة القدم وكرة الطائرة، وأنضم إلى منتخب فلسطين لكرة طائرة الجلوس.

 

كما حصل محمد على أرقامًا عالمية كفيلة بأن تؤهله للمشاركة في بطولة العالم، ولكن لم يتمكن من ذلك بسبب إغلاق معبر رفح في العامين 2007 وحتى 2009.

 

وفي عام 2018 عندما تم تأسيس كرة القدم للمبتورين، قرر أن ينضم إلى فريق نادي الجزيرة لكرة القدم، ليخوض أول بطولة محلية في عام 2019، وأحرز لقب هداف البطولة.

 

وحصل في عام 2020 على لقلب هداف البطولة وتم اختياره لـ اللعب ضمن صفوف منتخب فلسطين، كما شارك في العام نفسه ببطولة غرب آسيا التي أُقيمت في شهر مارس الماضي بدولة إيران، وأرتدى شارة الفريق وقتها ليحصدوا المركز الرابع.

 

رصاصة عدو

لم يكن أمامه سوى البتر للتخلص من الألم، خرج ليدافع عن بلاده فدفعت الثمن قدمه اليمنى.. «مهند حسام» القاطن في مدينة النصيرات في قطاع غزة، والذي يبلغ عمره 22 عامًا أُصيب خلال مشاركته بمسيرات العودة السلمية على الحدود بقطاع غزة، وقرر الأطباء أن مفارقته لإحدى قدميه هي الحل الوحيد للتخلص من الألم.

 

صدمة عاشها الشاب العشريني، لم تكن نظرته للحياة سوى سوداء، ومحاولات الجميع لإخراجه منها باءت بالفشل، حتى رأى الشاب أثناء تصفحه لشبكة الإنترنت ما يسمي بـ "جمعية لكرة القدم البتر"، فغمرته الفرحه لكونه قادرًا على تحقيق حلمه الذي بدأ معه في عمر الحادية عشر، وتمكن من الانضام لفريق منتخب فلسطين.


إبرة خاطئة

لُقب بأسد بابل في العراق، توج ببطل آسيا في بطولة العالم للسباحة 2022 التي أُقيمت في برلين، وحطم الرقم الآسيوي 800m، ليحقق انجازًا ضخمًا لموطنه العراق.

 

من بابل الكفيل من كوم عبدالله ابن زيد بمنطقة الشحيل جنوب بغداد، ولُد قاسم الخفاجي، طفل طبيعيًا مثل أقرانه، ولكن بسبب خطأ طبي تسبب في جلوسه على كرسي لبقية حياته، فإبره شفاء أتت بالداء، اكتشف «الخفاجي» حبه للسباحة في عمر الـ 11 ودعمه والده ليبدأ التدريب وتبدأ رحلته في عالم السباحة.


وقضى سنوات كثيرة في التدريب واجه خلالها كافة العوائق ولم يجعل لليأس مكان في قلبه، ليحصل في العام 2013 على بطولة كروتيا ليتوج بثلاثة أوسمة ذهبية
.

 

وفي عام 2015، توج أيضًا ببطولة كروتيا بحصوله على أربعة أوسمة متنوعة، وفي عام 2018 حصل على بطولة أسياد آسيا في جاكرتا ليحصل على المرتبة الثالثة في آسيا بـ 100m  حرة.



وحصد المرتبة الثالثة في كلًا من بطولة كأس العالم بإيطاليا و سنغافورة وبولندا في العام 2019، وتأهل رسميًا لبطولة باريس 2023.