طباعة

قصر عابدين ما بين الواقع والخيال

الأحد 05/02/2023 12:47 ص

أمل سعداوي

قصر عابدين

في إحدى ليالي عام 1863 قرر الخديوي إسماعيل حفيد محمد علي باشا أن يبنى قصرًا يحكي العالم عنه قصر عابدين مستوحى من الطراز الأوروبي، فكان مولعًا بالطراز الأوروبي، حتى أنه قرر تحويل مدينة القاهرة آنذاك لتصبح قطعة  ثانية من أوروبا وباريس، وبالفعل تمكن من ذلك حتى انتهى منها في العام 1900 وأصبحت أسعار الأراضى بها أغلى بكثير من مثليتها في بروكسل وباريس.

تمكن الخديوي إسماعيل أثناء فترة حكمه من تحويل القاهرة إلى مدن باريس وأوروبا من إنشاء بنوك ومتاجر متعددة الفروع وغيرها، ورغم ذلك لم يكن راضيًا ليقرر بناء قصر يتحاكى عنه العالم، ليختار قصر عابدين، ليصبح آية في الجمال،  ويطلق عليه المتخصصين اسم "جوهرة المتاحف الملكية في مصر"

قصة قصر عابدين 

فما قصة قصر عابدين؟ ولماذا أطلق عليه هذا الأسم؟  وهل شهد عصر واحدًا أم شهد عصور مختلفة؟ وهل هو قصرًا فقط أم يتتضمن متاحف بداخله؟.. كل تلك الأسئلة سنجاوب عليها خلال السطور القادمة.

بعد تولي الخديوي إسماعيل حكم مصر في العام 1863 أمر بإنشاء قصر عابدين، حيث يعود هذا الأسم إلى أحد القادة العسكريين، ويدعى "عابدين بك"، والذي كان يملك قصرًا صغيرًا ليأمر الخديوي بشراءه من أرملة القائد العسكري ويضيف إليه بعض الأراضي الأخرى ليبني القصر على مساحة 24 فدانًا والذي استغرق بناءه 10 سنوات بتكلفة بلغت 40 ألف دولار وهو رقم ضخم في ذلك الحقبة من الزمن، في حين بلغت تكلفة تأسيس القصر 120 ألف دولار وهو رقم كبير جداً يبيّن عظمة هذا القصر.
 
يُعد قصر عابدين تكريساً للنفوذ المعماري الغربي في مصر حيث صممه المهندس الفرنسي "دي كوريل روسو" على الطراز الكلاسيكي ليُحاكي به  القصور الأوروبية آنذاك من تعدد قاعاته، وغرفه التي شهدت عصورًا عدة، ليكون مقرًا للحكم، وكانت تلك هى المرة الأولى منذ عصر الدولة الأيوبية التي يترك فيها حاكم مصر قلعة الجبل الحصينة وينزل إلى قلب القاهرة ليعيش وسط شعبه.

شهد قصر عابدين على العديد من فترات الحكم  من أسرة محمد علي باشا، ليسكنه ابنه الخديوي محمد توفيق ثم الخديوي عباس حلمي الثاني ثم السلطان حسين كمال ثم الملك فؤاد.

يٌعد قصر عابدين هو البداية الحقيقية لظهور القاهرة بشكلها الحديث، إذ إن بناءه تبعه ظهور النهضة المعمارية في مصر بشكل عام حيث وضع تصميمات القصر المهندس الفرنسى دى كوريل روسو، ، بحسب ولاء الدين بدوي، الأكاديمي المتخصص في القصور الملكية ومتاحفها في مصر.

كان الخديوي إسماعيل يأمل في الانتهاء من بناء القصر قبل إفتتاح قناة السويس أي في العام 1869 من أجل استقبال الوفود والزوار فيه، لكن هذا الحلم لم يتحقق ليتم الانتهاء منه وافتتحاه في العام 1872.

متاحف وأسرار

تشبه بوابات القصر بوابات السفر عبر الزمن، إذا تنقل الزوار إلى فترات مختلفة من تاريخ مصر ليشهد على جميع الأحداث منذ عهد أسرة محمد علي وحتى ثورة يوليو 1952، وكأن الزائر يعيش في تلك الفترات.

قصر عابدين أشبه بالمدينة الكاملة حيث محاط بأسوار وبوابات حديدية عملاقة، وبحدائق جميلة، حيث يطل على ميدان واسع هو ميدان عابدين الشهير، حيث البداية من شارع "باب باريس"، الذي يحتوي على مدخل الزوار وهو بوابة جميلة مصنوعة بدقة شديدة، تحتوي نقوشاً بديعة.

فكان الخديوي إسماعيل قد أمر بصنعها خصيصًا للقصر في العاصمة الفرنسية باريس، ومن هنا جاء اسم البوابة.

يحتوي القصر على 500 غرفة، و5 قاعات كبرى للاحتفالات، تتضمن كل منها 100 قطعة من روائع الفن العالمي، كما يحتوي على قاعات وصالونات، ومسرح يضم مئات الكراسى المذهبة، وفيه أماكن معزولة بالستائر خاصة بالسيدات، يطلق عليها "الحرملك"، حيث يعود السبب في التسمية أنها منطقة محرمة على الرجال الغرباء.

بالإضافة إلى ‏مكتبة القصر التي تحوي على ما يقرب من 55 ألف كتاب، والجناح وقد سمي بهذا الأسم  بهذا الأسم نظراً لأن ملك بلجيكا كان أول من أقام فيه لكنه كان بصفة عامة مخصصًا لإقامة ضيوف مصر المهمين 

ويتميز القصر بتصميمات وديكورات إيطالية وتركية وفرنسية، بالإضافة إلى لوحات نادرة فريدة من نوعها، وزيين معظم الأثاث بالديكورات الذهبية والمصنوعة  يدويًا.

مقتنيات أثرية

كما يحتوي قصر عابدين على 4 متاحف مختلفة فيه وهم كالآتي:

الأول: متحف الأسلحة

هو أحد أكبر المتاحف ثراءً، حيث اهتم به أبناء وأحفاد الخديوي اسماعيل، وحافظوا عليه، وينقسم إلى قسمين الأول خاص بالأسلحة البيضاء وهى  الأسلحة النادرة التي أخرجتها أيدي صناع مهره من بلاد العالم الإسلامي وأوروبا، مثل السيوف، والخناجر، وأدوات صيد، والدروع وغيرها. والثاني خاص بقسم الأسلحة النارية  المختلفة من حيث التنوع والندرة وأساليب الصناعة والطراز مثل  المسدسات، والبنادق التي كان يتم اشعالها بواسطة الكبريت وغيرها.

الثاني: متحف الأوسمة والنياشين

وينقسم إلى قسمين الأول خاص بالمقتنيات الملكية وتحف متنوعة مثل سيوف  مرصع بالأحجار الكريمة وزخارف منفذه بالمينا الملونة ويعرف باسم " سيف التتويج" و طاقم " كمر" لحمل طلقات الرصاص، وهو مصنوع من الجلد المحلي بالذهب المشغول، أهداه الملك عبد العزيز آل سعودإلى الملك  فاروق وغيرها، والثاني الخاص بالأوسمة والنياشين والميداليات. 

الثالث: متحف الفضيات

وهو مخصص للحفاظ على مقتنيات الأسرة المالكة المصنوعة من الذهب والفضة والكريستال والبلور الملون.

الرابع:متحف الوثائق التاريخية

تم افتتاحه داخل القـصـر في 2004، ويحتوي على عدة وثائق تاريخية هامة من عهد "محمد علي باشا" وحتى الملك فاروق الأول آخر ملوك مصر.

أحداث لا تُنسى

شهد قصر عابدين على العديد  من الأحداث التاريخية الهامة مثل حفل افتتاح قناة السويس، والمواجهة الشهيرة بين أحمد عرابي والخديوي عام 1881م.

وتحول مصر من الملكية إلى الجمهورية عام 1952م، و خطب الرئيس عبد الناصر من شرفة القصر أكثر من مرة حتى عام 1958 اتجه ناصر إلى قصر القبة ليحكم منه.