طباعة

لماذا من الضروري سد الفجوة الرقمية بين الجنسين

الأربعاء 29/03/2023 11:53 م

ايلينا بانوفا

الأزمات العالمية المتزامنة والمترابطة لتغير المناخ، وزيادة تكاليف المعيشة وانعدام الأمن الغذائي والتأثير المستمر لجائحة كورونا، باتت كلها تهدد المكاسب التي تحققت في إطار أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة. مؤخرا صرحت السيدة سيما بحوث، المديرة التنفيذية لهيئة الأمم المتحدة للمرأة، بأننا في "نقطة تحول فيما يتعلق بحقوق المرأة والمساواة بين الجنسين مع اقترابنا من منتصف الطريق حتى عام ٢٠٣٠".

تشير الأبحاث العالمية إلى أننا - بالمعدلات الحالية - نحتاج إلى ٣٠٠ عام لتحقيق المساواة بين الجنسين. وكما ذكرت المديرة التنفيذية، بحوث، "عندما يخرج الهدف الخامس من أهداف التنمية المستدامة (المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة) عن المسار الصحيح، تخرج جميع أهداف التنمية المستدامة عن مسارها الصحيح. من المهم أن نتحرك الآن للاستثمار في النساء والفتيات لاستعادة وتسريع التقدم. وكلما استغرقنا وقتًا أطول عكس هذا الاتجاه، زادت التكلفة التي سنتحملها جميعًا". ولهذا اختارت الأمم المتحدة موضوع الاحتفال باليوم العالمي للمرأة لعام ٢٠٢٣ ليكون "إشراك الجميع رقميًا: الابتكار والتقنية لتحقيق المساواة بين الجنسين ".

إن الفجوة المستمرة بين الجنسين في الوصول الرقمي تحرم النساء من إطلاق الإمكانات الكاملة للتكنولوجيا. وبينما تطالع أنظارك هذه السطور، تنعقد الدورة السابعة والستون للأمم المتحدة للجنة وضع المرأة، حيث تدرس الدول الأعضاء كيفية التحرك نحو "الابتكار والتغيير التكنولوجي والتعليم في العصر الرقمي لتحقيق المساواة بين الجنسين وتمكين جميع النساء والفتيات".

الفجوات هائلة!
فعلى الصعيد العالمي، يزيد عدد مستخدمي الإنترنت عن ٢٥٩ مليون رجل مقارنة بالنساء. ومن المحتمل أن يؤدي استبعاد النساء والفتيات في العالم الرقمي إلى خسارة ١.٥تريليون دولار أمريكي بحلول عام ٢٠٢٥ في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل.

وما بين بداية الحوسبة وما نشهده في عصرنا الراهن من الواقع الافتراضي والذكاء الاصطناعي (AI)، قدمت النساء مساهمات لا حصر لها في العالم الرقمي. لقد تحققت إنجازاتهن رغم كل الصعاب، في مجال مليء بالتحديات يُهيمن عليه الرجال. اليوم، تشغل النساء على مستوى العالم واحدًا فقط من كل ثلاثة مناصب في قطاع التكنولوجيا، ويشكلن ٢٢٪ فقط من العاملين في مجال الذكاء الاصطناعي. وتُظهر ٤٤٪ من أنظمة الذكاء الاصطناعي التي تمت مراجعتها تحيزا على أساس النوع الاجتماعي. وتواجه ٢١٪ من النساء في القطاع فجوة في الأجور.

تقف مصر في وضعية جيدة مقارنة بالعديد من البلدان في إفريقيا والشرق الأوسط، حيث أن ٥٠٪ من خريجي العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات من النساء (جهاز التعبئة العامة و الإحصاء ٢٠١٨/٢٠١٩) ، غير أن  هذه النسبة لا تنعكس في القوى العاملة في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات نظرًا لانخفاض معدل توظيف النساء في كل من القطاعين الخاص والعام. والفجوة بين نسبة التحصيل التعليمي والتوظيف للنساء في قطاعات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات تعود جزئيًا إلى الافتراضات التي وضعها المجتمع وأرباب العمل حول قدرة المرأة على العمل في قطاعات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات بشكل فعّال. هذا بالإضافة إلى أدوار تقديم الرعاية المتوقعة من المرأة في المنزل، فضلا عن تحديات التنقل التي تواجهها العديد من الشابات عندما يكون العمل المرتبط بالعلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات خارج مجتمعهن، مما يؤثر بالسلب على عمل المرأة في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات.

في مصر، تعطي الأمم المتحدة الأولوية للمساواة بين الجنسين والتمكين الرقمي في تخطيطها الأساسي وعملها على المستوى القُطري. ويظهر هذا بوضوح في إطار التعاون الجديد (٢٠٢٣-٢٧) بين الحكومة المصرية والأمم المتحدة، والذي يتضمن  الابتكار والرقمنة كأحد عوامل التمكين الرئيسية لتسريع التقدم نحو التنمية المستدامة.
تتعاون الأمم المتحدة في مصر حاليًا بشكل وثيق مع الحكومة والقطاع الخاص والأوساط الأكاديمية والمجتمع المدني لتعزيز الإدماج الرقمي للنساء والفتيات وإنشاء مساحة آمنة على الإنترنت للشباب والشابات. كما تلعب الأمم المتحدة دورًا مهمًا في دعم تطوير استراتيجية التعليم 2.0 في مصر واستراتيجية التحول الرقمي "مصر الرقمية 2030". تتمثل إحدى الركائز الأساسية لهذه الاستراتيجيات في تعزيز المهارات الرقمية للمصريين/المصريات، وتمكين الأجيال الشابة رقميًا وتزويدهم بالمهارات اللازمة لتحديد التحديات بهدف دعم بيئة آمنة لمستخدمي الإنترنت، وخاصة الأطفال. كما يسلط الضوء على أهمية حماية حقوق النساء والفتيات والأطفال في المساحات الرقمية والتصدي للعنف ضد المرأة عبر الإنترنت وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وأهمية توفير الحماية والسلامة للجميع عبر الإنترنت.

تدعم الأمم المتحدة في مصر العديد من المبادرات الوطنية لضمان الشمول الرقمي للجميع حيث يقوم كل من الاتحاد الدولي للاتصالات، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، واليونسكو، واليونيسيف، وصندوق الأمم المتحدة للسكان، ومفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، والمنظمة الدولية للهجرة، وبرنامج الأغذية العالمي، ومنظمة العمل الدولية، واليونيدو، وهيئة الأمم المتحدة للمرأة ووكالات أخرى تابعة للأمم المتحدة في مصر بدعم برامج تختص بضمان الشمول الرقمي من أجل تحقيق التمكين الاجتماعي والسياسي والاقتصادي وإزالة الفجوات الرقمية، وخاصة تجاه الفئات الأكثر ضعفاً بما في ذلك النساء والفتيات. من بين هذه المبادرات: برامج اليونيسف الخاصة بالتغيير السلوكيّ والاجتماعيّ، وهو برنامج يهدف لمحو الأمية الرقمية لتمكين الفتيات وإنشاء نظام الاستجابة للطوارئ RapidPro لدعم رفاهية الأطفال والأسر والمجتمعات. يعمل برنامج الأغذية العالمي على تعزيز التعليم الرقمي للقضاء على الجوع من خلال تشجيع استخدام الأدوات الرقمية وتدريب المعلمين/المعلمات ودعم الإدماج الاقتصادي للشباب والنساء من خلال التدريب على مهارات تنظيم المشاريع وتنمية مهارات المهن والقروض الصغيرة. يدعم صندوق الأمم المتحدة للسكان مبادرات لإنتاج محتوى إبداعي رقمي يستهدف الشباب والشابات في مجال تنظيم الأسرة وتمكين الشباب ومكافحة العنف ضد المرأة في مصر. تعطي المنظمة الدولية للهجرة ومفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين الأولوية للإمكانية الاتصال للمهاجرين/ات واللاجئين/ات والمجتمعات المضيفة لضمان حصولهم على إمكانية الوصول إلى الإنترنت بأسعار معقولة، والاستفادة من التكنولوجيا لتوفير الحماية وتعزيز الاتصالات والتعليم وتمكين المجتمع.

ومؤخرًا، ودعمًا للمبادرة الرئاسية "حياة كريمة" والمشروع القومي لتنمية الأسرة المصرية، قامت هيئة الأمم المتحدة للمرأة، بدعم من الاتحاد الأوروبي ومملكة هولندا، بالشراكة مع البنك المركزي المصري والمجلس القومي للمرأة بدعم تنفيذ "البرنامج الوطني للشمول المالي: مجموعات الإقراض والادخار الرقمية - تحويشة". طور هذا البرنامج الوطني تكنولوجيا رقمية ستسمح بإنشاء مجموعات إقراض وادخار رقمية للنساء الريفيات في إطار العمليات المصرفية الرسمية؛ زيادة الوصول إلى بطاقات الدفع الإلكترونية الوطنية "ميزة"، وتحسين اندماج المرأة في سلاسل القيمة والأسواق المربحة؛ وتعزيز المهارات التجارية والقيادية للمرأة بالإضافة إلى محو الأمية الرقمية والمالية.
تفتح التكنولوجيا الرقمية أبوابًا جديدة لتمكين للنساء والفتيات حول العالم. من التعلم الرقمي المراعي لاحتياجات المرأة إلى الرعاية الصحية الجنسية والإنجابية الرقمية، حيث يمثل العصر الرقمي فرصة غير مسبوقة للقضاء على جميع أشكال التفاوتات وعدم المساواة. ومع ذلك، هناك حاجة إلى التغيير لتسخير إمكانات التكنولوجيا والابتكار من أجل تسريع التقدم في خطة عام 2030 وأهداف التنمية المستدامة.

يحتاج عالم التكنولوجيا إلى حلول تشاركية للمساعدة في كسر حواجز الوصول الرقمي وتحسين الأمان عبر الإنترنت للفتيات والشابات. نادرًا ما يُنظر إلى النساء على أنهن مبتكرات وصانعات القرار في مجال التكنولوجيا، مما يحد من تطوير المنتجات التي تستهدف النساء. من الضروري وقف العنف ضد النساء عبر الإنترنت من خلال الجهود المشتركة لزيادة القدرات وتعزيز الضمانات الجديدة للتأكد من أن المنصات الرقمية توفر وسيلة آمنة للنساء، والفتيات للتعلم، والعمل، والتفوق. يعد تغير الصور النمطية بالإضافة إلى تعليم وتمكين النساء والفتيات لتطوير ونشر التكنولوجيا أمرًا أساسيًا لضمان أن التحول الرقمي يراعي الفوارق بين الجنسين ويستجيب لاحتياجات المرأة. وعند القيام بذلك، من المهم تحديد أهداف لضمان استفادة النساء الريفيات و ذوات الإعاقة والمسنات على قدم المساواة.

توفر التكنولوجيا فرص تطوير رائعة للنساء والفتيات، ولكن دون معالجة التحديات التي تفرضها عليهن؛ سيتم فقط تكثيف الفجوة الرقمية. يجب أن يكون الابتكار والتكنولوجيا في قلب الحلول التشاركية لتحقيق المساواة بين الجنسين لتوفير مساحة رقمية شاملة وآمنة للجميع، بما في ذلك النساء والفتيات. في كلمته بمناسبة اليوم العالمي للمرأة ٢٠٢٣، ذكر الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو جوتيريش أن "الخبر السار هو أن المرأة تقود التغيير في جعل التكنولوجيا أكثر أمانًا، ويسهل الوصول إليها، وأكثر شمولاً، وأفضل تنظيمًا. وفي جميع أنحاء العالم، يرفض المزيد والمزيد من الفتيات الصور النمطية ويدرسن ليصبحن رائدات الغد.  تفخر الأمم المتحدة بالوقوف مع النساء والفتيات في كل مكان لكسر الحواجز التي تعيقنا جميعًا. معًا، دعونا ندفع من أجل التغيير الهيكلي التحويلي وننفذ خطة التنمية المستدامة لعام ٢٠٢٣. لنحقق معًا عالمًا أكثر شمولاً وعدلاً وازدهارًا للنساء والفتيات والرجال والفتيان في كل مكان".