يمشي تائهًا لا يدري أين ستقذفه الأقدار، بعد أن منحته الحياة لقب "السجين المطلق صراحة"، تتلخص حياته في محيط منطقة "أرض عزيز عزت" بإمبابة، التي نشأ فيها، أبصر على حياة قاسية رفضت أن تمنحه أبسط، ما يشعره بالأمان ليعيش "ساقط قيد" حتى عامه الـ40، شعور مفزع يراوده كلما أبتعد عن محيط سكنه، ليصبح مطاردًا في عالم مخيف لا يحادثه سوى بجملة واحدة "فين بطاقتك أو شهادة ميلادك؟".

صمت حزين يخيم على "إبراهيم سيد"، بمجرد سماعه تلك الكلمات، مما يدفعه لخوض نقاش عميق مع ذاته، يتساءل هل يوضح الظروف التي صار ضحيتها؟، أم يدعي أنه فقد بطاقته وشهادة ميلاده في حادث سرقة؟: "أبويا وأمي انفصلوا وأنا عندي 13 سنة، أبويا اتجوز وخلف وأمي ماتت، محستش بالكارثة اللي أنا فيها غير لما تميت 17 سنة، وكبرت واستوعبت الحياة، وكل ما أمشي في مكان الشرطة توقفني وتسألني على البطاقة، لا بقيت عارف اشتغل ولا اعيش حياتي بسبب إهمال من أهلي وروحت في الرجلين".


حياة أقرب إلى الضياع يعيشها الرجل الأربعيني، بعد أن حُرم من كافة حقوقه في الحياة: "لا اتعلمت ولا اشتغلت زي الناس ولا أتجوزت جواز شرعي، وحتى مش قادر اخلف حتة عيل يملي عليا حياتي، لان مصيره هيكون زيي وألعن، مش عاوزه يتمرمط ويشوف اللي أنا شوفته، اتجوزت بقالي 4 شهور عرفي، وكل الناس عارفة إني متجوز علشان أنا مش بحب الحرام بس هي الظروف اللي حكمت بكده".


يعيش "إبراهيم" في غرفة صغيرة بناها أثناء ثورة يناير، تتكاثر حولها الأشجار والقمامة، وكأنهم يشفقون على حاله المؤلم: "الفلوس اللي طلعت ليا من شقة أمي بنيت بيها الأوضة، واشتريت سرير أنام عليه، مراتي قاعدة عند أهلها وبتجيلى كل يومين، لأنها مش مستحملة تقعد في الأوضة، ومصدر رزقي الوحيد هو جراج بمسح العربيات اللي فيه، وخايف الحي يجي يهد الأوضة واترمى في الشارع، وأنا مليش حد غير ربنا".

رحلة شاقة قضاها "إبراهيم" في محاولة الحصول على شهادة ميلاد باء جميعها بالفشل، يقول: "مليت استمارة إني ساقط قيد وجبت جواب من الصحة، خدت ورقة وطلعت على القسم علشان اعمل محضر اهمال زي ما قالولي روحت اجيب بطاقة ابويا لقيت اسم جدي مكتوب غلط ولازم أصلحه، روحت أصلحه قالولي لازم تجيب حد من اخواتك ببطاقته، وأنا مقطوع من شجرة معرفش حاجة عن اخواتى ولا عمري شوفتهم من يوم ما كبرت".

ويضيف:" 5 سنين في المرار ده لما عقدوني طلبوا منى شهادة ميلاد أبويا وأمي الأصليين جبتهم من دار المحفوظات، أنا إنسان وليا حق في البلد، والناس المسئولة دي لازم إنها تساعدنا مش تعقدنا، وأنا كل ما أروح لحد يطوحوني، ومبقتش فاهم أي حاجة، طيب أنا جاهل ومعرفش حاجة في الدنيا المفروض تسهلوا الأمور لينا مش تعقدوها".