المواطن

رئيس مجلسي
الإدارة والتحرير
مسعد شاهين

عيد ست الحبايب 2018| "زروني كل سنة مرة".. تأوهات مكتومة وشكاوى مبحوحة تخرج من أفواه مسنات الفيوم

الأربعاء 14/مارس/2018 - 02:49 م
محمود أبو العيد
طباعة
دائما ما تجلس وحيدة تتذكر أجمل لحظات العمر مع رفيق دربها فهو كان كل شىء فى حياتها كان الزوج والأب والأخ بل والعائلة كلها، حينما تزوجته شعرت بأن الحياة دبت فيها مرة أخرى، لأنها ببساطة كانت "مقطوعة من شجرة" ليس لها فى الدنيا سواه، وعندما رحل عن عالمها وأدركه الموت عادت إلى ما كانت عليه فى السابق وحيدة تتحسس ريحه فى كل مكان، حتى وجدت نفسها تعيش فى دار المسنين التابعة لجمعية رسالة بالفيوم، تجدها تجلس على كرسيها بالدار شاردة الذهن تسرح فيما مضى وأجمل أيام عمرها مع رفيق كفاحها الذي توفى وتركها تصارع الدنيا وتصارعها، في ركن بعيد وعلى كرسى قدماه من الخشب تجلس ليلى محمد حمزة 66 سنة تتذكر كافة تفاصيل حياتها وذكرياتها والدموع لا تفارق عينيها وهى تحكى عن هذه الأيام.

قالت لـ "بوابة المواطن"، ولدت في الدنيا لا أعرف أحدًا فلا أعرف أب أو أم أو أشقاء أو حتى عائلة وصارعت الدنيا، وصارعتنى حتى تعرفت على زوجى الراحل الذي كان يعمل فى التربية والتعليم واصبح كل شىء لى في الحياة فبعد أن كنت أتمنى الموت أعاد إلى أنوثتي وحيوتي، وأصبح كل شىء فى حياتي عشت معه أجمل أيام عمرى بحلوها ومرها، وللأسف لم أتمكن من الإنجاب وكأن القدر أراد لى أن أعيش وحيدة دائما وأموت وحيدة بدون أحد، وتوفى زوجي وتوفت معه كل لحظات الحياة الجميلة، وساءت حالتي النفسية، فلا أعرف أحد فى الدنيا سواه تركني بين جدران الشقة التي كنا نعيش فيها بالإيجار، وعقب موته اصبحت متطلبات الحياة كبيرة ولا يكفينى معاشه الشهري الهزيل، فعرضت وانا فى المنزل على المواطنين بأن يتكفلني أحد بمعاشي الشهري ودلني أهل الخير على دار المسنين بجمعية رسالة، وجئت إلى هنا منذ 4 سنوات كاملة أعيش على الذكريات، حتى يقضى الله نحبه فيّ.

وتابعت والدموع تتساقط من عينيها: "كان نفسي يكون عندي ابن أو بنت أو حتى عم يسأل عليّ، تخيل يابنى مفيش حد يعرفني خالص عايشة لوحدي زي ما أنت شايف، وأصبحت الدار هي كل ما تبقى لى من حطام الدنيا، وأتمنى أن يحسن الله خاتمتي ويعوضنى عما صار لي في هذه الدنيا خيرًا فى الأخرة، يا ريت تبقى تيجى تسأل عليّ، ما أنا زى والدتك بالظبط اعتبرني أمك وابقى تعالى انا مش عايزة والله حاجة من حد انا فى الدار بيجيبوا كل حاجة ومعاش جوزى بيقضيني بس محتاجة الونس عايزة احس أن ليه حد أو حد بيسأل عنى والنبى يا ابنى ابقى تعالى"، ثم تجهشت بالبكاء، هكذا هو حالها باستمرار، وتقول "انا الوحيدة اللى دفتر الزيارات في الدار لم يذكر فيه اسم زائر لي منذ مجيئي من 3 سنوات، وحُرمت من الأولاد وكان نفسى احتفل بعيد الأم".

وأكد القائمون على الدار بأن دموعها لا تفارق عيونها فهي تشعر بأن الدنيا أخذت منها كل شىء وتركتها لوحدتها فقط، وتعيش تأكل وتأخذ علاجها بانتظام وتجلس دائما على كرسيها الخشبي تتذكر الأيام الماضية وذكرياتها.

وعلى جانب آخر تجد سيدات محمود 71 سنة، والتى لا تستطيع أن تنطق بكلمة واحدة حينما تراك تبتسم فقط فى وجهك ولا تقول أى شىء حاولت معها كثيرًا لكى تتحدث إلا أنها رفضت وكأنها أرادت أن تصمت فى وجه الدنيا، كما صمتت فى وجهها، وعرفنا أنها جاءت إلى الدار منذ 4 سنوات عندما توسط لها بعض أصحاب القلوب الرحيمة لكى تدخل الدار بعد أن وجدوها فى الشارع ينهش البرد فى عظامها، وقام أصحاب الدار بالتحرى عنها وعمل محضر بالقسم ولم يستدل على عنوانها على الرغم من نشر صورها فى كل مكان وفى النهاية قرروا أن تعيش فى الدار وهى صماء لا تتحدث.

وفى غرفة أخرى ترقد رئيسة إبراهيم، 71 سنة، على سريرها لا تقوم إلا لقضاء حاجتها وتقوم على رعايتها عاملات الدار تقدم لها الطعام وتطعمها فهي لا تتمكن من الحركة ولكنها تقول أنها جاءت إلى الدار منذ 4 سنوات، وتابعت ولدت لأب وأم من أسرة فقيرة كنا نعيش فى غرفة واحدة ولم أتزوج وتوفيا وقررت بإرادتي أن أعيش في دار المسنين لأنني لا استطيع الحركة، واحتاج إلى من يرعاني ويقدم لي المساعدة في الأكل ومتطلبات الحياة، وجئت إلى هنا منذ 4 سنوات ويأتى شقيقى لزيارتي كل أسبوع قائلة "أمى وابويا ماتوا هاقعد مع مين ومين يرعانى".

وفي نفس الغرفة تجلس على سريرها الحاجة هانم 72 عامًا، من منطقة الشيخ حسن بمدينة الفيوم ولا تستطيع التحدث وترعاها عاملات الدار أيضًا وقصتها بدأت عقب قيام أولادها بإيداعها دار المسنين منذ عامين لأن جميعهم متزوجون ومشغولون بحياتهم وقرروا إيداعها الدار، حينما تنظر إليها تراقبك بنظراتها وكأنها تريد أن توجه رسالة للمجتمع بأن يرحم كبيره ويوقره بدلا من أن يتركه فى أشد ظروف الاحتياج.

وأكدت عاملات الدار أن أقصى ما يتمناه الأمهات المسنات في الدار هو السؤال عنهم خاصة ممن لهم أولاد فيهم، حتى في عيد الأم لم يسأل الأبناء عن أمهاتهم وتركوهم وكأنهم أزاحوا همًا كبيرًا كان محمل فوق أكتافهم.

الجدير بالذكر أن دار رعاية المسنين أنشأتها جمعية رسالة فى عمارة التأمين بمدينة الفيوم عام 2011 ودخلت بها نحو 30 سيدة منهم من وافتها المنية، ومنهم من قام أولادهم بعودتهم إليهم مرة أخرى ولم يتبقى بالدار حاليًا سوى 4 سيدات ويتم تقديم الرعاية الكاملة لهم على أكمل وجه.

أخبار تهمك

هل تتوقع تألق إمام عاشور مع الأهلي هذا الموسم....؟

هل تتوقع تألق إمام عاشور مع الأهلي هذا الموسم....؟
ads
ads
ads
ads
ads