المواطن

رئيس مجلسي
الإدارة والتحرير
مسعد شاهين

"نيرون برئ من حريق روما".. شائعات وحقائق في حياة الحاكم المجنون

السبت 09/يونيو/2018 - 11:50 ص
مريم مرتضى
طباعة
يزخر التاريخ بالعديد من الحكام المرموقين الذين قضوا حياتهم في الخير وإعلاء شأن بلادهم، ولكن هناك أيضًا الكثير ممن ارتكبوا أبشع الجرائم في حق بلادهم وشعبهم واستحقوا بجدارة أن يُطلق عليهم لقب الطغاة، بعد أن دونوا صفحات من الوحشية والقسوة في التاريخ، ومن أشهر هؤلاء هو الإمبراطور الروماني المجنون "نيرون" الذي اتخذ من نفوذه ومنصبه تصريحًا لتعذيب شعبه والمقربين منه، وعلى الرغم من عشرات الفظائع التي ارتكبها إلا أن أبشع الأحداث في عصره لم يكن له دخل بها حقًا، وهو حادث "حرق روما".


حريق روما
خلال إحدى الليالي الحارقة في شهر يوليو عام 64م، تصاعدت ألسنة اللهب من خشب سيرك ماكسيموس في روما، وسرعان ما امتدت النيران لتصل إلى المنازل والمتاجر المجاورة، وظلت النيران مشتعلة لمدة أسبوع كامل، واحترقت المدينة عن بكرة أبيها ولم ينج منها سوى 4 مناطق سكنية من أصل 14 منطقة في روما، ودُمر عدد لا يُحصى من البيوت والهياكل والمخطوطات النفيسة والتحف الفنية، وهام مئات الآلاف من الناجين على وجوههم في الطرقات أثناء الليل لا يجدون لهم مأوى يبيتون فيه، وانتشرت الشائعات تقول بأن نيرون هو الذي أمر بإشعال النار في المدينة، وأنه ينشر المواد الحارقة فيها ليجدد ما خبا منها، وبأنه يرقبها من برج ماسيناس، وهو ينشد على نغمة القيثارة ما كتبه من الشعر عن نهب طروادة.
حريق روما
حريق روما
المجنون نيرون

والحقيقة أن تلك الشائعات لم تنتشر عن نيرون من فراغ، فطِبقًا لمذكرات معلمه الفيلسوف "سينيكا" كان نيرون حاكمًا مجنونًا، كان في بداية عهده مُجرد إمبراطور بالإسم، وكانت السلطة والنفوذ بيد والدته "أغربينا"، ولكن عندما اشتد عود نيرون، ظهرت ميوله العدوانية وطيشه واشتد الصراع بينه وبين والدته، وأصبح من الصعب السيطرة عليه، وانصرف عن الحكم بليالي العربدة والمجون وفتيات الليل، وكان يتنكر بزي العبيد، وينزل إلى الطُرقات ويعتدي على الناس ويسرق ويمارس دور قطاع الطرق، وفي إحدى الليالي أخبره أحد أصدقائه بأن والدته تُدبر له أمرً لإسقاطه، والانقلاب عليه، فاستشاط نيرون غضبًا فور سماعه لهذه المؤامرة التي تحيكها له أمه في الخفاء، فأصدر على الفور قرارًا بإعدامها، ولكنها نجت من محاولة القتل وهربت، وعندما علم نيرون أنها مازالت على قيد الحياة غضب بشدة، وخاف أن تُحرض عليه الجيش فاستعان بمعلمه الفيلسوف "سينيكا" الذي أقترح عليه أن يُكمل عملية الاغتيال، وبحث جيش نيرون عن أغربينا حتى وجدوها في منزلها وعند قتلها قالت أضربوني في رحمي وبالفعل تم قتلها، وانزعجت روما كثيرًا، وثار الشعب ضد نيرون الذي بدأ في الكذب وقال أن أمه هي التي حاولت قتله، وكانت تُدبر لسقوط الدولة وأنه قتلها دفاعًا عن نفسه، وكان كل ما قاله هو مجرد كلام من اقتراح سينيكا من أجل الخروج من هذا المأزق.
عملة عليها نيرون
عملة عليها نيرون ووالدته
وغير قتل والدته، ارتكب نيرون العديد من الفظائع في حق زوجته وحق معلمه سينيكا، وقام بقتلهما أيضًا، لذا كان من السهل أن تُلصق له تهمة حرق روما.

سينيكا
سينيكا
ماذا بعد الإتهام ؟ 

فجأة وجد نيرون نفسه مُتهمًا في حرق مدينته، وحسب كتابات المؤرخ الروماني "تاسيتس" التي كتبها في الفترة بين عامي 115م و 120م، قام نيرون بإلقاء اللوم على المسيحين، وأذاقهم العذاب والويل، فكان العديد من المسيحيين يُجمعون، ويُلقى القبض عليهم، ويخضعون لاستجواب بغرض الحصول على معلومات عن المسيحيين الآخرين في المدينة، وفي نهاية المطاف، أتم إدانة عدد كبير منهم وأُعدموا، أي أنه حسب رؤية "تاسيتس" قدم المسيحيين ككبش فداء لتلك الكارثة، كما أنه تفنن في إبتكار وسائل إعدام غريبة، فكان يلبسهم جلود حيوانات ويجعل الكلاب تمزقهم، ومرة يغمسهم في القطران ويستخدمهم كمشاعل بشرية لإضاءة حفلات العشاء التي كان يقيمها، ووفقاً لسجلات التُراث المسيحي، فقد أُلقى نيرون القبض على أثنين من أهم الحواريين، وهما القديسان بطرس وبولس، وأُعُدما في أعقاب الحريق.
نيرون
نيرون
اضطهاد نيرون للمسيحيين

ذكر "سويتونيوس" المؤرخ الروماني أنه على الرغم من سوء المُعاملة التي كان يلقاها المسيحيون على أيدي نيرون، إلا أنه لم يربط هذه الاضطهادات بالحريق العظيم، وقال سويتونيوس:" إن المسيحيين تعرضوا للاضطهاد لأنهم كانوا خُرافة جديدة وشريرة".

بعض أشكال اضطهاد
بعض أشكال اضطهاد نيرون للمسيحين
هل حقًا أحرق نيرون روما ؟
نفى المؤرخ ورئيس قضاة الإمبراطورية الرومانية "تاليتس" في كتابه الشهير "الحوليات" أن تلك الشائعة عن نيرون، مؤكدًا أنه كان موجودًا في مدينة "أنتيوم" وقت وقوع الحريق، وعاد على الفور إلى روما لتنظيم المساعدات للمُتضررين منه، بل دفع أموالاً من ميزانيته الخاصة، وفتح قصوره للناجين من الحريق ووضع خطة تنمية جديدة للمدينة، بحيث لم تعد المنازل متلاصقة ببعضها، وأعيد بناؤها من حجارة القرميد، فضلاً عن توسعة الطرق، ويشير "تاليتس" في كتابه إلى أن نيرون بنى قصرًا أسماه "دوموس أوريا" أو"البيت الذهبي" لتجميل المنطقة التي دمرها الحريق وزاد مساحة الحدائق المحيطة بالقصر لتصل إلى 1.2 كم مربع.

نيرون
نيرون
وفي بحث أخرجته الباحثة "سارة بوند"، وهي أستاذة مُساعدة في جامعة آيوا الأمريكية عن حريق روما، ذكرت فيه أن المدينة التي نشب بها الحريق كانت تتعرض في الأساس للعديد من الحرائق، بسبب المناخ والطبيعة هناك، وأنه إحتمال كبير أن يكون حريق روما بسبب الطبيعة لا بفعل فاعل.

أخبار تهمك

هل تتوقع تألق إمام عاشور مع الأهلي هذا الموسم....؟

هل تتوقع تألق إمام عاشور مع الأهلي هذا الموسم....؟
ads
ads
ads
ads
ads