المواطن

رئيس مجلسي
الإدارة والتحرير
مسعد شاهين

زحمة يادنيا زحمة.. طوابير المواصلات العامة ما بين غضب المواطنين وتعالي السائقين

الجمعة 11/مايو/2018 - 10:44 م
نور محمود
طباعة
زحمة يادنيا زحمة..
يصطفون خلف بعضهم بتناسق، يقفون في هدوء وسكون وكأنهم أعلنوا استسلامهم التام، يتخلل صمتهم تنهيدات غاضبة دون قدرة على التعبير عن ذلك، لكنهم في كل الأحوال غاضبون منتظرون دورهم ليس في شراء سلعة أو رغيف "عيش"، لكن دورهم في استقلال السيارات للعودة بعد يوم صعب في العمل إلى منازلهم. 

زحمة يادنيا زحمة..

يوم شاق ومواصلات مُرة الطعم بل لا مذاق لها، هذا لسان حال المواطنين رواد المواقف العامة، فأحدهم يخرج ولاعته وسيجارة ليفرج عن همه في سيجارة، وآخر يتناول هاتفه المحمول ويطلب حبيبته، وآخر يتحدث إلى أصدقائه مخرجا سلسلة من الشتائم عن وقته المهدر وساقيه اللاتي يؤلمانه بشدة. 

صيحات وصيحات، ها قد وصلت سيارة "ميكروباص" إلى الموقف بعد نصف ساعة من الوقوف حتى تصلبت العروق، لكن عادة ما يصيح فرحا هؤلاء الذين يتصدرون الطابور الذي يمتد لعشرات الأمتار، ولا عزاء للمتزيلي نهاية الطابور، فهم بأساء رغم كل شيء، فأمامهم ساعتين وربما أكثر حتى تحين وقت صيحتهم. 

زحمة يادنيا زحمة..

يجلس رجل مسن قابضا على سيجارة من نوع رديء بين إصبعيه، مركزا النظر على تلك الوقفة التي حيرته، ضاحكا في حين ومتجهم الوجه في حين آخر، هذا الرجل المسن الذي يتخذ ركن في موقف عبد المنعم رياض مسكنا له بين سيارات النقل العام والميكروباصات، في برودة الشتاء وحر الصيف، وسط "زعيق" السائقين وهتافات الركاب، نسى نفسه وألمه، وركز في هذا المشهد العظيم. 

لكن هذا الطابور الذي ينتظر سيارات أكتوبر لا يراه ولا يركز معه، فهم مشغولون في فاجعتهم، حتى وصلت سيارة أخرى، فقرر الجميع عدم الالتزام بالطابور، أحدهم يرتدي بدلة سوداء ونظارة شمس ويبدو على مظهره الوقار "نط" من الشباك الخلفي لسيارة الميكروباص، وآخر يرتدي جلبات ومعه أسرته وقادم من أحد القرى أو النجوع يتفقد المنظر في ريب، وكأنه يقول لنفسه ما هذا الذي يحدث؟، لم أرى هذا الشكل من قبل في قريتي، فلينقضي هذا اليوم وأعود مسرعا إلى حيث الخلاء إلى حيث الأرض. 

زحمة يادنيا زحمة..

في الساعة الثامنة إلى التاسعة وربما امتدت إلى العاشرة من صباح كل يوم، تقابلها ساعات الغروب وبالتحديد في الساعة الثالثة عصرا إلى الخامسة مساء، تعلن المواقف المصرية حالة "الزحام"، ففي موقف عبد المنعم رياض وسط القاهرة، وموقف رمسيس وأكتوبر وغيرهم، تمتد طوابير طويلة وملتوية وممتدة أيضا، في انتظار "الفرج"، فرج وصول سيارة الأجرة. 

يقابل سائقي الأجرة غضب هؤلاء المنتظرون بكل "فجاجة"، تدخل السيارة الموقف مسرعة، تقتحم طوابير الانتظار، يغلق السائق "شبابيك" سيارته، ويدخل في موجة صمت رهيب، يسأل المنتظرون عن وجهته المقبلة وخط سيرة، يقابلهم بصمت، يشتغلون غيظا لكنهم لا يستطيعون الانفجار سوى بالكلمات، ينتظرون حتى تنقضي لحظات "تعالي" السائقين بكل غيظ وغضب، وأيضا ينتظرون. 

زحمة يادنيا زحمة..

بخيل السائق دائما، فهو يبخل بالرد على أحدهم بعد سؤاله "رايح أكتوبر؟"، يرددها أحد المواطنين بقوله "أكتوبر ياسطى؟"، يستمر السائق في الصمت، لينهي أحدهم هذا الصمت بقذائف من الشتائم للمواصلات والسيارات والمواطنين والعالم أجمع، وبكل "فجاجة" ينهي السائق الحديث بقوله "أنا مش محمل خلاص".

يتدخل هؤلاء الذين يتصدرون طابور الانتظار "يلا يسطى معلش"، يستجيب السائق بعد إنهاء المشكلة، ليركب 14 نفر من عشرات المنتظرين في الطابور من مسنين وكبار سن وفتيات وشباب وحتى حوامل، فالكل سواء وكأننا في يوم الحشر، فلا شاب يقدم خدمة لسيدة مسنة لتأخذ مكانه في الطابور، ولا مراهق يعود خطوة للخلف لتسبقه امرأة حامل أوشكت على الولادة ممسكة ببطنها وكأن طفلها سيهرب لخارجها. 


في الجهة المقابلة لموقف أكتوبر، يقف آخرون بطريقة عشوائية، فلا طابور ولا دور يحكم ركوب سيارات الأجرة، من يستطيع ركوب السيارة يركب، تأتي سيارة مسرعة تقتحم تلك العشوائية، ويتسلق فيها أصحاب القوة والصحة، ولا عزاء لغيرهم، لينتهي الوضع بالبعض من المصابين بأمراض أو كبار في السن إلى الجلوس على رصيف الموقف أو مقاعد الاستراحة الخاصة به، إذا كانت هناك مقاعد خالية. 

موقف يتكرر دائما، سب ولعن وزفير غاضب وشهيق ملوث يسيطر على رواد المواقف، وتعالي وبخل يستحوذ على السائقين، ربما يمتد إلى الاستغلال في أوقات كثيرة، فنهاية محطتهم تكون نصف الطريق، ليسلمون الركاب لسائقين آخرين، وهكذا دواليك.

زادت أسعار تذاكر مترو الأنفاق، وربما يواكب ذلك زيادة في ازدحام المواصلات، وتفضيل بعض المواطنين ركوب سيارات الأجرة وأتوبيسات النقل العام، ترشيدا للاستهلاك، خاصة لهؤلاء الذين يقطنون أو يعملون في مناطق بعيدة تتخطى العشر محطات. 

أخبار تهمك

هل تتوقع تألق إمام عاشور مع الأهلي هذا الموسم....؟

هل تتوقع تألق إمام عاشور مع الأهلي هذا الموسم....؟
ads
ads
ads
ads
ads